Nadia Fettah Alaoui — “We Don’t Obey the World Bank”: The Line That Elegantly Exposed Financial Dependence
السياسة لا تعرف النفي عبثًا؛ فحين تقول وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي إن الحكومة لا تخضع لإملاءات البنك الدولي، فذلك يعني أن الإملاءات لم تعد تُكتب من الخارج، بل صارت تُصاغ من الداخل بلغة السيادة المالية.
النفي هنا ليس رفضًا، بل إعادة تدويرٍ للتبعية في قالبٍ وطنيٍّ مطمئن.
كشفت مصادر إعلامية أن الوزيرة، خلال ردها على مناقشة مشروع قانون مالية 2026 داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، قدّمت عرضًا مُفعمًا بالثقة، مؤكدة أن المغرب يعيش “نقطة تاريخية فارقة”، وأن الاقتصاد الوطني “يسير بوتيرة سريعة”، رغم ما وصفته بـ“التوترات الجيوسياسية العالمية”.
لكن هذا التفاؤل الممنهج يخفي توترًا عميقًا بين الخطاب السيادي والواقع المالي.
الوزيرة اعتبرت أن البنك الدولي كان يرى المغرب غير مؤهل لصناعة قوية، “لكن بفضل التوجيهات الملكية أصبحت الصناعة ركيزة وطنية”.
عبارة توحي بالتحرر، لكنها في العمق تكرّس منطق “التوجيه من فوق والتمويل من الخارج”.
فمن يموّل الإصلاح يملك حق السؤال، ومن يمنح القروض يكتب نصف الجواب، ولو من خلف الستار.
فتاح العلوي قدّمت أيضًا جردًا لـ”جيل جديد من برامج التنمية الترابية”، قائلة إن هذه المشاريع ستحقق التكامل بين الجهات وتعزّز العدالة المجالية.
لكن خلف الأرقام الرسمية يقف واقعٌ مختلف: بطالة تفوق 12 في المئة، وقطاعاتٌ فلاحية فقدت مئات الآلاف من مناصب الشغل بين 2019 و2024، وجفافٌ يهدد الاستدامة أكثر مما يرسّخها.
فالبلاد التي تتحدث عن الاستقرار المائي، تُموّل اليوم العطش من قروضٍ دولية.
كشفت المصادر ذاتها أن الوزيرة دافعت عن مخطط “المغرب الأخضر”، مؤكدة أن الأسواق “مليئة بالمنتجات الفلاحية”.
صحيح، لكن لم تُجب على سؤال بسيط: لمن تُباع هذه المنتجات، وبأي ثمن، ومن يملك حقّ تذوقها؟
الفلاحة التي تُقاس بعدد الحاويات المصدّرة لا بعدد الموائد المملوءة، ليست تنمية… بل تسويقٌ وطنيٌّ جيد.
ورغم كل هذا، أصرت فتاح العلوي على أن الحكومة لا تخضع لإملاءات البنك الدولي، بل “تتعاون” معه في إطار شراكة.
تعبيرٌ ناعم يخفي حقيقة العلاقة بين الدائن والمدين.
فالحكومة لا تُطيع، لكنها تتكيّف.
لا تخضع، لكنها تنسّق. تتحدث عن السيادة الاقتصادية بلغة القروض، وعن الكرامة المالية بعبارات “الاستدامة” و“النجاعة”.
وحين تختم الوزيرة بقولها “فخورون بالاستقرار”، يبدو الوطن كمن يصفّق بإيقاعٍ اقتصاديٍّ مضبوط بينما جيوبه تئنّ.
الاستقرار الذي لا يُترجم إلى عدالة اجتماعية ولا يُخفف ثقل المعيشة، يصبح مجرد موسيقى خلفية لعرضٍ طويل… مخرجه البنك الدولي وممثلوه في الحكومة.
