Fouzi Lekjaa Sells Development with World Cup Tickets

لم تعد كرة القدم مجرّد رياضةٍ في المغرب، بل أصبحت عنوانًا لمشروعٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ يُقدَّم في كل المنصّات بوصفه “رؤيةً استراتيجية” و”ورقةَ تنمية وطنية”.
من تحت قبة البرلمان، تحدّث الوزير المنتدب المكلّف بالميزانية، فوزي لقجع، بلغةٍ واثقةٍ عن كأس العالم 2030، كما لو أنّ المونديال هو المعادلة السحرية التي ستختصر طريق الإصلاح وتُعيد ترتيب أولويات الدولة.

قال لقجع إن تنظيم هذه التظاهرة الكبرى يدخل في صلب رؤيةٍ تؤكد انفتاح المغرب على العالم، وتجسّد إصراره على “مواصلة دينامية التنمية الشاملة”.
لكنّ هذه الجملة الأنيقة تخفي سؤالًا بسيطًا: هل التنمية في المغرب تحتاج إلى مونديالٍ لتُنجز، أم أنّ المونديال أصبح غطاءً لتبرير اختياراتٍ اقتصاديةٍ مثقلةٍ بالديون والتحديات؟

كشفت مداخلته أمام لجنة المالية أن كلفة التحضير للمونديال تبلغ ثلاثة مليارات درهم، منها مليارٌ وتسعمائة مليون موجهة للمكتب الوطني للسكك الحديدية، وأقلّ من مليارٍ لتشييد الملاعب.
وأكّد أنّ “الكلفة لا تُموَّل من الميزانية العامة”، في إشارةٍ إلى تعبئة موارد “الشركاء المؤسساتيين” على مدى عشرين سنة.
عبارةٌ تبدو مطمئنة في ظاهرها، لكنها تطرح سؤال الشفافية: من هؤلاء الشركاء؟ وهل التمويل المؤجَّل لا يُعدّ دينًا مؤجّلًا بأقنعةٍ لغويةٍ جديدة؟

في لحظةٍ أخرى من خطابه، ربط لقجع بين تنظيم كأس العالم وتأهيل القطاع الصحي، قائلًا إن “المستشفيات جزءٌ من الشروط الأساسية للاستضافة”، وكأنّ النظام الصحي الوطني لم يكن أولويةً إلا حين دخلت الفيفا على الخط.
صحيحٌ أنّ معايير التنظيم تفرض تجهيزاتٍ طبيةً متقدمة، لكن الإصلاح الصحي ليس شرطًا رياضيًا… بل واجبٌ وطنيٌّ كان ينبغي أن يتحقّق قبل أي صافرة انطلاق.

ثمّة مفارقةٌ لافتة في خطاب الوزير.
حين يتحدث عن “تشييد ملعب مولاي عبد الله في سنتين” و“إنجاز المستشفى الجامعي في المدة نفسها”، يقدّم الأمر كدليلٍ على كفاءة الإنجاز الوطني، لكنه يتناسى أنّ السرعة ليست معيارًا للجودة، وأنّ ما يُبنى في ظرفٍ قياسي قد يحتاج زمنًا أطول لتقييم الأثر والمردودية.

أما حين قال إن “المداخيل المستقبلية ستتجاوز الكلفة”، فقد دخل في منطقةٍ رماديةٍ من التفاؤل المحاسبي، لأنّ التجارب السابقة لدولٍ استضافت المونديال من جنوب إفريقيا إلى البرازيل أظهرت أن العائد الرمزي قد يكون كبيرًا، لكنّ الفاتورة المالية تبقى أثقل من التصفيق.

ومع ذلك، فإن فوزي لقجع بلغةٍ سياسيةٍ متماسكة لم يكتفِ بالدفاع عن المشروع، بل حوّل الانتقاد إلى “حملة تشكيك” وصفها بـ“المؤامرة”، متحدثًا عن “الكلاب الضالة” و“الفوتوشوب” و“دعوات المقاطعة”.
لغةٌ انفعاليةٌ تُقزِّم النقاش العمومي وتحصره بين “المؤمنين بالمشروع” و“المتآمرين عليه”، بدل أن تُنضجه إلى مستوى الحوار الديمقراطي حول الأولويات والجدوى والشفافية.

في جوهر الخطاب، يتجلّى منطقٌ واضح: الدولة تراهن على المونديال لتسريع ما كان مؤجلًا، وتقديم “الإنجازات التنموية” في قالبٍ احتفاليٍّ مدهش.
لكنّ السؤال الأعمق يبقى قائمًا: هل تُقاس التنمية بمدى جاهزية الملاعب والمطارات، أم بقدرة المواطن على الحصول على علاجٍ كريمٍ وفرصةِ عملٍ كريمة؟

المغرب اليوم يقف على مفترقٍ رمزيٍّ بين صورتين:
صورة بلدٍ يُبهر العالم بالملاعب والأنوار، وصورة مجتمعٍ ينتظر إصلاح المدرسة والمستشفى والإدارة.
وفيما تواصل الحكومة الترويج لـ“الفرص الاستثمارية” التي سيجلبها المونديال، يبقى الرهان الحقيقي في أن لا تتحوّل “فرصة التاريخ” إلى مجرّد استعراضٍ رمزيٍّ يُضاف إلى سجلّ الصور الجماعية.

فالتاريخ لا يُكتب بالتظاهرات… بل بالمحاسبة.
والمستقبل لا يُبنى على وعود الملاعب… بل على عدالة التنمية.
أما المونديال، فسيبقى مباراةً جميلة لكنّها لا تُنهي الشوط الطويل الذي ينتظر المواطن مع السياسات العمومية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version