When Decrees Fit the Ministries: Conflicts of Interest in a Government of Overlapping Opportunities
 المراسيم في المغرب لا تُكتب دائمًا لخدمة المصلحة العامة، بل أحيانًا تُفصَّل على مقاس الوزارات.
ذلك ما تكشفه المعطيات الأخيرة حول وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، بعد أن تفجّرت معلومات تُفيد بتعديله مرسومًا حكوميًا يمنح وزارته اختصاصاتٍ جديدة في مجال صناعة الألعاب الإلكترونية، قبل أيامٍ فقط من توقيعه اتفاقية شراكة في القطاع نفسه.
القضية لم تمرّ مرور الكرام؛ إذ تحوّلت إلى اختبارٍ أخلاقي جديد لحكومةٍ ما زالت تُصارع شبهة تضارب المصالح أكثر مما تُصارع غلاء الأسعار.
كشفت يومية الصباح، أن وزير الصناعة والتجارة رياض مزور تلقّى مراسلةً من رئاسة مجلس النواب تتضمن معطياتٍ تُوصف بأنها “تداولٌ من الداخل” و”استفادةٌ من المعلومة الحكومية” قبل اتخاذ القرار.
بمعنى آخر: كان الوزير يعلم مسبقًا أن الدولة تتّجه نحو دعم صناعة الألعاب الإلكترونية، فسارع إلى إعداد مرسومٍ يُدرج القطاع ضمن اختصاصاته، ثم وقّع اتفاقية بعد أيامٍ قليلة من المصادقة على التعديل.
مرسوم رقم2.24.1143، المصادق عليه بتاريخ 2 أبريل 2025، أضاف لوزارة الثقافة والشباب والتواصل صلاحياتٍ جديدة لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية وإنشاء مديريةٍ خاصة لهذا الغرض.
خطوةٌ قد تبدو تحديثًا إداريًا بريئًا، لولا أن التوقيت والسرعة والتقاطعات المالية جعلت منها مادة دسمةً للجدل حول تضارب المصالح داخل الجهاز التنفيذي.
دولة تُنادي بإصلاح منظومة الحكامة تجد نفسها أمام سؤالٍ مزمن: من يراقب من؟ 💭
حين يصبح الوزير صاحب القرار والمستفيد المحتمل في الوقت نفسه، تتشوّش الحدود بين المرفق العمومي والمصلحة الخاصة، ويتحوّل المرسوم إلى “فرصة استثمارية مُقنّنة”.
المرسوم الذي مرّ بهدوءٍ عبر مجلس الحكومة لم يُناقش كثيرًا، ولم يثر انتباه البرلمان إلا بعد توقيع الاتفاقية بمراكش خلال معرض GITEX Africa، أي بعد خمسة أيام فقط من إيداع المراسلة الرسمية لتعديل الاختصاصات.
بلغة البيروقراطية يُسمّى ذلك “تسريعًا للإجراءات”، أما بلغة السياسة فاسمه الحقيقي: ركضٌ نحو الامتيازات قبل أن يجفّ الحبر.
الواقعة ليست معزولة عن مشهدٍ حكوميٍّ أوسع.
من تفويض الصفقات العمومية إلى الجمع بين القرار الاقتصادي والتموقع السياسي، يبدو أن تضارب المصالح أصبح “منهجَ حكمٍ جديدًا” أكثر منه خطأً عرضيًا.
الحكومة الحالية تقدّم نفسها كـ “حكومة الفرص”، لكن الواقع يُثبت أن الفرص لا تُوزَّع بالتساوي.
وما يُسمّى “التقاطع بين القطاعات” تحوّل فعليًا إلى تقاطُع بين المصالح، حيث تذوب الحدود بين الدولة كمؤسسة والمشاريع كأعمالٍ خاصة.
اللافت أن لا جهة رسمية حتى الآن فتحت تحقيقًا معلنًا في الموضوع، رغم أن القانون رقم 46.13 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة ينصّ على ضرورة الإبلاغ عن كل شبهة تضارب مصالح في المرفق العام.
لكن يبدو أن مفهوم “النزاهة” في المغرب يعيش هو الآخر مرحلة التجريب.
القضية تختصر جوهر اللحظة السياسية: الوزارات تتنافس على “الاختصاصات” كما تتنافس الشركات على “الصفقات”، والإبداع لم يعد في البرمجة، بل في برمجة القوانين نفسها.
وربما أراد الوزير أن يُواكب روح العصر عبر دعم الألعاب الإلكترونية، لكن اللعبة الحقيقية كانت في النصّ القانوني.
هكذا تتحوّل Game Development إلى Power Development، ويصبح السؤال ليس من يصنع اللعبة، بل من يتحكّم في قواعدها.
ما حدث لا يُدين شخصًا بقدر ما يُدين نمطًا في صناعة القرار. فحين تُصاغ المراسيم بمرونةٍ زائدة، وتُغيّر الاختصاصات بضغط الوقت، وتُمنح التراخيص في الظل، نكون أمام نموذجٍ جديد من “الحكامة المرنة” التي تُخفي داخلها صلابة المصالح الخاصة. تضارب المصالح ليس تفصيلاً إداريًا؛ إنه المرض البنيوي الذي يُحوّل السياسة إلى تجارةٍ مشروعة بالقانون.
وفي بلدٍ تتعدّد فيه الوزارات أكثر من الحلول، تبدو الشفافية
وكأنها آخر قطاعٍ لم يحصل بعد على “رخصة الاشتغال”.
