Finance Bill 2026 — Optimism in the Age of Hidden Debt
كل مرة يتحدث فوزي لقجع عن مالية الدولة، تبدو الأرقام كأنها تبتسم في دفاتره، لكن خلف تلك الابتسامة تختبئ ملامح قلقٍ محاسبيٍّ يحتاج إلى ضوءٍ أكثر من تصفيق .
مشروع قانون المالية لسنة 2026 جاء محمّلًا بخطاب التفاؤل والطمأنينة،لكن بين السطور تُطلّ أسئلة اقتصادية ثقيلة .
هل يمكن لميزانية 2026 أن تُحقّق التوازن فعلاً، أم أننا نعيش زمن “المالية المؤجَّلة” حيث تُرحَّل الفواتير من سنةٍ إلى أخرى؟ 
1. الدفاع المشروع… لكن المقلق
في عرضه أمام البرلمان، نفى الوزير المنتدب المكلف بالميزانية أن تكون الحكومة تُشرّع “على المقاس”، وقال:
«من أثبت أننا لعبنا في مادة أو صغنا تشريعًا يخدم جهة معينة، سنسحبه ونعتذر».
لغة التحدي هذه تثير الإعجاب ، لكنها من زاوية أخرى تنقل عبء الإثبات من الحكومة إلى البرلمان والمجتمع.
في الاقتصاد الحديث، الشفافية لا تعني انتظار الاتهام، بل النشر الاستباقي للمعطيات وتحليل أثرها قبل التصويت.
بدون ذلك، يبقى النقاش المالي رهين الثقة، لا رهين المعلومة، وتظل الأسواق تُسعّر مخاطر “الضباب التنظيمي” في تكلفة التمويل .
2. الدواء بين وعود الانخفاض ومجهول الأثر
ضمن بنود قانون المالية 2026، أعلن لقجع عن توجهٍ نحو خفض الرسوم والـTVA على الأدوية المستوردة وتشجيع الصناعة الوطنية.
لكن إلى اليوم لا توجد دراسة أثر كمية تُبيّن حجم الانخفاض المنتظر في الأسعار، ولا على أي سلال علاجية سيُطبَّق.
اقتصاديًا، خفض الضرائب لا يضمن خفض الأسعار ما لم تُرفق الآلية بسياسة منافسة شفافة وآليات مراقبة تمرير الانخفاض من المصنع إلى المريض.
وإلا تحوّل الخفض الجبائي إلى دعمٍ جديدٍ غير معلن لهوامش الربح.
الإصلاح الدوائي الحقيقي يبدأ من نشر الأسعار المرجعية وتتبع مسار الكلفة، لا من التبشير بخفضٍ رمزي.
3. مونديال 2030… استثمار استراتيجي أم دين مؤجَّل؟
في قلب النقاش حول ميزانية 2026، عاد الحديث عن المشاريع المرتبطة بتنظيم مونديال 2030.
لقجع أكد أن الكلفة “ليست في الميزانية العامة”، وأن التمويل سيتم عبر مؤسسات عمومية وبآجال سداد تمتد لعشرين سنة.
لكن هذا يعني ببساطة أن تلك النفقات ستظهر في خانة الدين الموسَّع، لا في العجز المعلن.
ما لا يُسجَّل اليوم، يُسدَّد غدًا مع الفوائد.
وما لم تُنشر دراسة كلفة–منفعة دقيقة، تربط كل درهم استثمار بعائدٍ اقتصادي قابل للقياس،
فإن المونديال سيظل مشروعًا ذا رمزية سياسية أكثر من كونه رافعة مالية حقيقية .
4. المقاصة في غرفة الانتظار
اعترف لقجع بأن نظام الدعم فقد العدالة 
لكن مشروع قانون المالية 2026 لم يقدم خارطة طريق واضحة للتحول نحو الدعم المباشر.
لا روزنامة زمنية ، ولا آلية حماية انتقالية، ولا منصة رقمية موحّدة في المقابل، يستنزف صندوق المقاصة ما بين 15 و18 مليار درهم سنويًا، وهو عبءٌ ثقيل على ماليةٍ تبحث عن التوازن في ظرفيةٍ دولية متقلّبة
الإصلاح يبدو حتميًا، لكن المؤشرات تدل على تأجيل جديد بدل الانطلاق الفعلي .
5. التمويلات المبتكرة… بين الذكاء المالي والضباب المحاسبي
تواصل الحكومة اعتماد ما تسميه التمويلات المبتكرة لتمويل المشاريع الكبرى،لكن هذه الصيغة لا تُلغي الدين بل تنقله إلى منطقة الظل المحاسبي.
البيع المؤقت للأصول ثم استئجارها يولّد التزامات مستقبلية، وإن لم تُدرج في العجز السنوي، فإنها تثقل المديونية على المدى المتوسط.
الابتكار المالي مشروع حين يكون مرفوقًا بإفصاح شامل: الكلفة الصافية، معدل الفائدة، والمخاطر القانونية
أما في غياب ذلك، فهو تجميلٌ للأرقام أكثر من كونه إصلاحًا ماليًا .
6. فرضيات النمو… تفاؤل في غير موضعه
ترتكز ميزانية 2026 على فرضية نمو بين 4.6 و5% مدفوعة بتحسّن السياحة والاستثمار العمومي، لكن لم تُقدَّم جداول “حساسية” تبين أثر تغير المعطيات (ضعف التساقطات ، تراجع الطلب الأوروبي، أو ارتفاع النفط).
في ظل هذا الغياب، يصبح التفاؤل المالي خطرًا محسوبًا على الورق أكثر منه سيناريوً قابلًا للتحقق.
الميزانية الجيدة تُدار بالخطط البديلة لا بالوعود الجميلة.
7. برنامج “الجيل الجديد”… مشروع ملكي بروح محلية
خصص قانون المالية 2026 مساحة مهمة لما سُمّي بـ“الجيل الجديد من برامج التنمية المحلية” ،فكرة نبيلة تستند إلى إشراك الجماعات والمجتمع المدني في تحديد الأولويات .
لكن العدالة الترابية لا تتحقق إلا عبر مصفوفة اقتصادية واضحة:
أين الحاجة أكبر؟ ما العائد الاجتماعي لكل درهم يُستثمر؟ ما الأولوية بين مستشفى وطريق أو مدرسة ؟
بدون هذه المعايير، يظلّ المشروع طموحًا في الخطاب أكثر منه دقيقًا في التنفيذ.
8. الدين العمومي… الصورة الكاملة
الدين العمومي الظاهر للمغرب يقارب 960 مليار درهم (حوالي 70% من الناتج الداخلي الخام) ،لكن الدين الموسَّع، الذي يشمل التزامات المؤسسات العمومية وتمويلات خارج الميزانية، يقترب من 1200 مليار درهم (85%) .
النسب لا تعني الإفلاس، لكنها تفرض حوكمة دقيقة للديون المستترة، خصوصًا مع توسّع رقعة التمويلات المبتكرة، وتزايد الاعتماد على عقود الكراء طويلة الأمد لتغطية الاستثمارات الكبرى.
خطاب فوزي لقجع حول قانون المالية 2026 جاء مفعمًا بالثقة، لكن الاقتصاد لا يُدار بالثقة وحدها.
خفض الرسوم لا يعني عدالة الأسعار ، وتمويل الملاعب لا يصبح إنجازًا حين يُؤجَّل سداده، والاعتراف بسوء استهداف الدعم لا يُغني عن خطةٍ واضحة للإصلاح.
إنها لحظة تحتاج إلى عقل مالي بارد أكثر من لسانٍ بليغ ، لأن الدَّين لا يصفّق، والعجز لا يبتسم، والأجيال القادمة لا تصوّت.
فالاقتصاد لا يُقاس بكمية الخطاب، بل بقدرة الدولة على كشف كلفة قراراتها قبل أن يدفعها المواطن 
وحين تصبح الأرقام علنيةً مثل الكلمات، يمكننا فقط آنذاك أن نقول:
المالية العمومية فعلاً بخير. 
