Between Sanctity and Interest: Reading Akhannouch’s Speech in Beni Mellal

في السياسة المغربية، لا شيء يُقال عبثاً، ولا جملة تُلقى دون نيةٍ خفية .
حين قال عزيز أخنوش، من منصة بني ملال ، إن “المسؤولية التي أتحملها ليست امتيازاً، بل مهمة مقدسة أمام الله والملك والمواطنين”، لم يكن يخاطب فقط الجمهور الحاضر، بل كان يحاول غسل اللغة السياسية من غبار الامتيازات التي التصقت بها منذ أربع سنوات.

القداسة هنا ليست دينية، بل تجميلٌ لغويٌّ للسياسة.
رئيس الحكومة اختار مفردة “المقدسة” ليضفي على موقعه هالةً من الطهر الأخلاقي، في لحظةٍ يتّسع فيها الجدل حول الامتيازات، والصفقات، والتعيينات، والقرارات التي تخدم أكثر مما تُصلح .
كأنّ الرجل أراد أن يقول للمغاربة: لا تنظروا إلى الثروة، انظروا إلى النيّة .

لكن المغاربة، بطبيعتهم، لا يصدقون النوايا المجانية.
هم يرون أن القداسة الحقيقية تبدأ من المستشفى الذي يشتغل ، ومن المدرسة التي تُدرّس ، ومن القرية التي تجد طريقها مفتوحة بعد المطر.
أما الخطابات التي تُحلق في فضاء الأخلاق العليا، فتسقط سريعاً أمام ثقل الأسعار في الأسواق .

خطاب أخنوش في بني ملال كان أشبه بجولة داخل مرآةٍ سياسية يرى فيها ما يريد أن يُرى.
لكن خلف تلك المرآة، يتبدّى وجه آخر: رئيس حكومة يتهيأ للانتقال من لغة الإنجاز إلى لغة التبرير، ومن فعل التنفيذ إلى سرد الحكاية .
فبعد أربع سنوات من الصمت الإداري، بدأ موسم “الإنصات” كعنوانٍ جديد لحملةٍ قديمة .

قال أخنوش إنه “يسمع صوت المواطنين الذين يطالبون بما هو أحسن في الصحة والتعليم”.
جميل، لكن الإنصات المتأخر لا يُشبه الإصلاح، تماماً كما أن الاعتراف لا يُلغي المسؤولية .
فالمغاربة لم يعودوا ينتظرون من رئيس الحكومة أن يسمعهم، بل أن يفعل ما سمعه.
المشكل في المغرب ليس في الصوت، بل في الصدى الذي لا يصل إلى القرار .

اللافت في خطاب بني ملال أنه كان مليئاً بالمستقبل المؤجل :
مستشفيات تنتهي في 2026 و2027، مشاريع تنتظر التمويل، وإصلاحات “استعجالية” تُدرج في رزنامة السنوات المقبلة.
هكذا تتحوّل الاستعجالية إلى برنامج بعيد المدى، وتُصبح السرعة مجرد وعدٍ مؤجل .
في قاموس المواطن، الاستعجال يعني الإسعاف .
أما في قاموس الحكومة، فيعني المناقصة والصفقة والإعلان القادم .

الخطاب حمل أيضاً نَفَساً عاطفياً جديداً .
استحضر أخنوش والده ليحدثنا عن قيم المسؤولية والطموح والاجتهاد ، كأنه يكتب فصلاً من كتابٍ تربوي لا تقريراً سياسياً.
جميل أن يُحسن السياسيون التعبير عن إنسانيتهم، لكن الأجمل أن يحسنوا إدارة الدولة.
المغاربة تعبوا من قصص النوايا، ويريدون فصولاً من الفعل.

أما من الناحية الرمزية، فاختيار بني ملال خنيفرة لم يكن بريئاً .
الجهة التي تختصر المفارقة التنموية: ثروات فلاحية ومائية ومعدنية ، مقابل فقرٍ في الخدمات وفرص العمل.
هي عينة من المغرب الحقيقي الذي لا تراه الكاميرات ، لكنه يعيش كل السياسات على أرضه.
حين يخاطب رئيس الحكومة ساكنةً مثل هذه، فهو يخاطب في الحقيقة تناقضات ولايته كلها:
الوفرة في الخطاب، والندرة في النتائج.

وما بين “القداسة” و“المصلحة”، يظل السؤال قائماً :
هل يريد أخنوش أن يُطهّر السياسة من الامتيازات، أم أن الخطاب نفسه أصبح امتيازاً جديداً؟
فحين تُقدَّم المسؤولية كعبادة، تصبح الأخطاء مجرد “ابتلاء”، وتُغفر السياسات بالتصفيق .

في النهاية، لا أحد يُنكر أن أخنوش رجلٌ يتحدث بثقة 💬، لكن الثقة وحدها لا تبني مستشفى ولا تخفّض الأسعار.
السياسة ليست صلاةً على المنصة، بل عملٌ يوميّ في الميدان .
والقداسة الحقيقية ليست في الكلام أمام الكاميرا، بل في القرار الذي يحترم كرامة المواطن 🇲🇦.

ربما آن الأوان كي تفهم الحكومة أن المغاربة لا يريدون خطاباً مقدساً، بل واقعاً محترماً.
لأن الناس تعبوا من الطهارة اللفظية، ويريدون فقط سياسةً نظيفة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version