The Minister Who Turns the Budget into a Creed… and Development into an Annual Ritual
في كل خريفٍ سياسي، تتكرّر الطقوس نفسها في المغرب: قانون مالية جديد، عرضٌ مطوّل بلغة الأرقام، وتصفيقٌ مدروس في لجنة المالية.
الوجوه تتغيّر أحيانًا، لكن فوزي لقجع ظلّ هو الكاهن الدائم في معبد الميزانية، يمسك بمفاتيح المال العام كما يمسك الراهب بكتاب الصلوات المقدّسة .

الوزير المنتدب المكلف بالميزانية لم يعد يتحدث عن الأرقام كأداةٍ للتدبير، بل كعقيدةٍ اقتصاديةٍ لا تُناقَش.
كل رقمٍ في لسانه يحمل نبرة الإيمان، وكل فصلٍ في قانون المالية يُقدَّم كما لو أنه وحيٌ ماليٌّ نازل من السماء لا يقبل التعديل.

في عرضه الأخير أمام لجنة المالية، أعلن لقجع “نهاية صندوق التنمية القروية” وبداية “صندوق جديد” للجيل المقبل من البرامج التنموية.
لكنّ الجديد في المغرب لا يولد من الصفر، بل من رحم القديم.
فكلما تعب صندوق، يُدفن تحت لافتة “الإصلاح”، ويُبعث آخر بنفس الطقوس، بنفس الطاقم، ونفس الخطاب عن “الفعالية والشفافية”.

الوزير تحدث عن “منهجية جديدة تشرك الساكنة والمجتمع المدني” في تحديد الأولويات، وكأننا أمام ديمقراطية مالية مفتوحة للجميع.
لكنّ السؤال الذي لم يُطرح: من يحدّد فعلًا الأولويات؟
هل هو المواطن الذي ينتظر الماء والكهرباء، أم المكتب الذي يقرر من الرباط أين يبدأ الأمل وأين ينتهي؟

لقجع قال أيضًا إن البرامج الجديدة “ستتجاوز عمر الحكومة الحالية” وهي جملةٌ تليق بوزيرٍ يؤمن بالاستمرارية أكثر من السياسة، وبالمال أكثر من الزمن.
في المغرب، يبدو أن التنمية لا تتبع الحكومات، بل تتبع التحويلات البنكية.
مشروعٌ يُولَد في الولاية الأولى، يُمَوَّل في الثانية، ويُفتتح في الثالثة… وغالبًا ما يُعاد تدشينه في الرابعة .

أما عن فلسفة لقجع في التدبير، فهي واضحة:
الإنجاز لا يُقاس بالنتائج، بل بنسبة الالتزام بالنفقات.
يكفي أن تُصرف الميزانية كاملة حتى يُعتبر المشروع ناجحًا ولو لم ير المواطن منه سوى اللوحة المعدنية التي تُعلن بداية الورش.

لقجع لا يتحدث عن المال كوسيلة، بل كرسالة.
يتعامل مع المالية العمومية كما يتعامل المؤمن مع طقوسه: بالدقة، بالانضباط، وبالرهبة من الخطأ.
لكنّ الإيمان وحده لا يصنع التنمية، كما أن التراتيل لا تُطعم الفقراء.

وبين الصندوق القديم والجديد، وبين المقاربة السابقة والمنهجية “المُحدَّثة”، يبقى المواطن هو الثابت الوحيد في المعادلة يشاهد من بعيد كيف تتحوّل التنمية إلى موسمٍ سنويٍّ تُتلى فيه الأرقام، وتُقدَّم فيه القرابين من المال العام باسم “المصلحة الوطنية” .

فوزي لقجع لا يُخفي انضباطه المالي، لكنه ينسى أن التنمية ليست ميزانية تُضبط بالأرقام، بل عدالة تُقاس بالأثر.
والفرق كبير بين من يُؤمن بالمال كوسيلة للتغيير، ومن يتعامل معه كدينٍ جديدٍ له طقوسه وحُجّابه.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version