Politics as Therapy… Sekkouri the Doctor Who Prescribes Dialogues Instead of Remedies

المشهد في مجلس النواب اليوم لم يكن جلسة عادية، بل عرضاً بلاغياً متقناً في تزيين الأزمات.
الوزير يونس السكوري، المسؤول عن الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، تحدّث بلغة الواثق من نجاحه، معلناً أن “الحوار الاجتماعي أنقذ المغرب من مسار صعب”، وأن العلاقة مع النقابات كانت “صمام أمان اجتماعي”.

الكلمات كانت ناعمة، لكن الواقع خشن.
فالبلد ما زال يعيش على إيقاع البطالة المتزايدة، والأسعار المتصلبة، والأجور التي لا تواكب كلفة الحياة اليومية.
السكوري بدا كمن يقدّم علاجاً نفسياً للأزمة، لا خطةً اقتصادية للخروج منها.

في زمنٍ تتراجع فيه الثقة في العمل الحكومي، وجد الوزير في “الحوار الاجتماعي” فرصةً لبيع صورة الاستقرار، حتى وإن كان هذا الاستقرار هشاً ومؤقتاً.
قال أمام النواب بنبرة درامية: “تخيلوا معي لو لم تكن هناك علاقة مع النقابات، ولم تكن تلك الزيادات في الأجور…”
لكن المغاربة لا يحتاجون إلى خيال، بل إلى أرقامٍ حقيقية.
والأرقام تقول شيئاً آخر: القدرة الشرائية تراجعت، البطالة وسط الشباب بلغت مستويات مقلقة، والفوارق الاجتماعية اتسعت كما لم يحدث منذ عقدين.

حين انتقل السكوري إلى الحديث عن برنامج أوراش، وصفه بأنه “ناجح” و“منقذ اجتماعي” استهدف 250 ألف مستفيد، ووصل إلى 225 ألفاً.
لكن السؤال البسيط الذي لم يُطرح: كم من هؤلاء وجد عملاً دائماً بعد انتهاء الورش؟
الجواب معروف: قليل جداً، إن لم نقل لا أحد.
أوراش كان ولا يزال برنامجاً موسمياً بميزانية محدودة، يُستخدم كمسكّن اجتماعي لتخفيف التوتر، لا كإصلاح هيكلي للبطالة.
فنجاحه في “الورق” لا يعني نجاته في الواقع.
الوزير نفسه اعترف أن البرنامج “لم يُستكمل بسبب محدودية الميزانية”، وكأن المال هو المشكل، لا غياب الرؤية.

حين قال السكوري إن 900 ألف شاب مغربي لا يتوفرون على أي شهادة، بدا الرقم كصفعةٍ سياسية أكثر منه معطى إحصائياً.
وأضاف أن 280 ألف تلميذ يغادرون المدرسة كل سنة، أغلبهم في الإعدادي.
ورغم خطورة هذه الأرقام، اختار الوزير تفسيرها بعوامل “نفسية واجتماعية”، متناسياً أن المسؤولية تقع على دولةٍ لم تنجح بعد في جعل المدرسة طريقاً للفرص بدل بوابةٍ إلى البطالة.

في سياقٍ آخر، استحضر الوزير تجربة وزارته في صرف المنح الجامعية المتأخرة، مشيداً بـ“التعاون مع البريد بنك”.
لكن لا أحد سأل: كيف يمكن لدولةٍ ترفع شعار العدالة الاجتماعية أن تترك آلاف الطلبة بدون منحٍ لشهور؟
السكوري تحدّث عن “إقناع الحكومة” بحل المشكل، وكأن المنح هبةٌ من الوزير لا حقٌّ للطلبة.
إنها لغة تكرّس ثقافة التبرير أكثر مما تعزّز ثقافة المحاسبة.

خطاب السكوري كان مصقولاً كمرآةٍ براقة، يعكس النوايا ولا يُظهر الحقائق.
الحكومة تواصل الحديث عن “الحوار الاجتماعي” كأنه مشروع تنموي، بينما هو في الواقع وسيلة لتأجيل الأسئلة الصعبة.
وعوض أن تواجه الأزمة، تكتفي بتجميلها بالأرقام والمصطلحات.

في المغرب، الحوار الاجتماعي لم يعد مساحةً للتفاوض، بل صار أداةً للتجميل السياسي.
كلّ طرفٍ يتحدث بلغةٍ مطمئنة، فيما المواطن يبحث عن لغةٍ تُطعم الخبز وتُسدد الفواتير.
الخطاب جميل، لكن الواقع أقوى من البلاغة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version