When the State Falls Ill… the Budget Becomes a Prescription Without Medicine

المشهد البرلماني يوم أمس الثلاثاء 4 نونبر 2025 لم يكن عادياً.
النائبة فاطمة التامني، عن فدرالية اليسار الديمقراطي، وقفت في وجه لغة الأرقام لتسأل الحكومة عن لغة الإنسان.
مداخلة لم تكتفِ بمساءلة الميزانية، بل جرّدت الدولة من أناقتها المحاسباتية وسألتها بصراحة:

“أين هي الحماية الاجتماعية حين يصبح المواطن مجرّد رقم في جدولٍ مالي؟”

في المغرب، الدولة الاجتماعية تشبه إعلاناً حكومياً أنيقاً يُعرض على الشاشة أكثر مما يُطبّق على الأرض.
فحين تكون وزارة الصحة من أكثر القطاعات حساسية، يُفترض أن تُقاس إنجازاتها بعدد الأرواح التي أُنفذت، لا بعدد الصفحات في قانون المالية.
لكن الواقع يقول العكس: الأرقام ترتفع… والمستشفيات تنهار .

كشفت التامني أن الزيادات المعلنة في ميزانية الصحة ليست سوى “زيادات محاسباتية”، تغطي الأجور والتسيير دون أثرٍ فعلي في تحسين الخدمات.
بمعنى آخر: الطبيب زاد في الأجرة، والمريض زاد في الانتظار.

كشفت مصادر إعلامية أن التامني ربطت بين الأزمات الصحية والاجتماعية واحتجاجات جيل زد بعد المآسي التي شهدها مستشفى الحسن الثاني بأكادير، مشيرة إلى أنّ “الآلاف من هؤلاء الشباب في السجون فقط لأنهم ارتدوا قمصاناً كتب عليها: الصحة والتعليم أولاً والحرية لفلسطين.”
هنا تتجاوز النائبة لغة الميزانية إلى لغة الضمير، وتعيد السؤال الجوهري:
كيف يمكن لدولةٍ تحاكم شباباً على قميص، أن تتحدث عن حماية اجتماعية؟
في هذا البلد، القميص الذي يصرخ بالحقيقة أخطر من الملف الذي يخفيها.

الأرقام الرسمية تقول إن ميزانية الصحة ارتفعت، لكن نسبتها إلى الناتج الداخلي الخام تبقى أقل من نصف المعدل الدولي (10%).
المدن تزدحم بالمستشفيات، والقرى تزدحم بالأوجاع.
العدالة المجالية في الطبّ ما زالت مجرّد وعدٍ في نشرةٍ حكومية.
فالسيارة الطبية تصل دائماً… متأخرة عن المريض.

وفي الوقت الذي تُغلق فيه المستشفيات العمومية أبوابها، تُفتح خزائن الدولة للقطاع الخاص عبر الإعفاءات الضريبية والتحفيزات الاستثمارية.
الصحة صارت مشروعاً مربحاً، والمواطن أصبح الزبون المضمون .
الدولة تداوي المستثمرين بالإعفاءات… وتترك المرضى ينتظرون الشفاء في طوابير الأمل.

ما قالته فاطمة التامني لم يكن مجرد نقدٍ تقني، بل تشخيص سياسيٌّ دقيقٌ لمرضٍ أخلاقيٍّ أصاب مفهوم “الدولة الاجتماعية” بالوهم.
فالبلاد لا تعاني نقصاً في الميزانيات، بل نقصاً في الشعور الإنساني داخل الميزانية.

حين تمرض الدولة… تصبح الميزانية وصفة طبية بلا دواء.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version