قرار مجلس الأمن رقم 2797 حول الصحراء المغربية شكّل لحظةً دبلوماسيةً مهمة في مسارٍ طويل من العمل المغربي داخل الأمم المتحدة.
لكن بين لغة القانون الأممي ولغة التحليل السياسي الداخلي، يختبئ فرقٌ جوهري في المعنى والغاية:
فالأمم المتحدة تتحدث بميزان القانون الدولي، بينما يتحدث بعض المحللين بلغة “الانتصار النهائي”.

أين أصاب السليمي؟

الدكتور عبد الرحيم منار السليمي محقّ حين قال إنّ القرار يعكس تحولًا في موازين القوى الدولية لصالح المغرب، خصوصًا بعد أن صوّتت 11 دولة لصالحه مقابل امتناع روسيا والصين وباكستان.
ذلك يُظهر أن الخيارات القديمة القائمة على الاستفتاء فقدت بريقها، وأن المجتمع الدولي بات يرى في مقترح الحكم الذاتي المغربي الحلّ الأكثر واقعية.

هذا مكسب حقيقي لدبلوماسية الرباط التي اشتغلت بصمت منذ سنة 2007 على إقناع القوى الكبرى بأن الحلّ لا يُختزل في الجغرافيا، بل يُبنى على الاستقرار داخل السيادة المغربية.
هو ثمرة سنوات من العمل الصبور والمراكمة الدبلوماسية التي جعلت الحكم الذاتي يتحول من مقترح مغربي إلى مرجع أممي فعلي في كل نقاش حول الصحراء.

وأين بالغ السليمي؟

الخطأ التحليلي عند السليمي هو قوله إنّ القرار “كرّس الحكم الذاتي كحلّ وحيد” وأشار لأول مرة إلى “السيادة المغربية”.
هنا الدقة تقتضي التوضيح:

القرار لم يذكر عبارة “السيادة المغربية”، بل استعمل نفس الصياغة التي دأب عليها منذ 2007:

“حل سياسي واقعي ودائم قائم على التوافق.”

الأمم المتحدة لم “تعترف” بعد بالسيادة المغربية في نصوصها الرسمية، وإنما أقرت جدّية المقترح المغربي كأساسٍ للحلّ.
وهذا فرق جوهري بين الاعتراف القانوني والترجيح السياسي.
الخلط بينهما قد يُفقد الخطاب المغربي مصداقيته الأكاديمية أمام المنتظم الدولي، خصوصًا حين يقدَّم الاجتهاد التحليلي في صورة “قرار أممي نهائي”.
المفارقة القانونية

الأمم المتحدة تشتغل بمنطق التدرج الدبلوماسي، لا بمنطق القطيعة.
هي لا تُلغي الخيارات القديمة، بل تتجاوزها بالصمت.
ولذلك فـ“الاستفتاء” لم يُدفن قانونيًا، بل انتهت صلاحيته سياسيًا.
السياسة في الأمم المتحدة تُدار بالزمن لا بالشعارات، وبالتحولات الهادئة لا بالتصريحات الانفعالية.

من هنا، يمكن القول إنّ السليمي قرأ التحوّل من زاوية الحسم، بينما القرار نفسه مازال يكرّس منطق التراكم.
الحكم الذاتي اليوم هو الإطار الواقعي الوحيد المطروح، لكن الأمم المتحدة لم تُغلق بعد الباب رسميًا أمام لغة التوافق بين الأطراف.

بين التحليل الأكاديمي والخطاب السياسي

تصريحات السليمي تُعبّر عن اندفاع وطني مشروع، لكنها أحيانًا تتحوّل إلى لغة يقين دبلوماسي.
في المقابل، قوة الموقف المغربي تكمن في البراغماتية:
في بناء الثقة الدولية لا في إعلان النصر النهائي.

كلما حافظ المغرب على لغة الدقة القانونية، زادت قوته التفاوضية ومصداقيته أمام العالم.
أما تحويل كل قرار إلى “إجماع أممي نهائي”، فقد يُفقد الخطاب المغربي وزنه الأكاديمي أمام شركائه.

القرار 2797 مكسبٌ دبلوماسي كبير للمغرب، لكن تحليله يتطلب وعيًا بالفارق بين ما يُقال في نيويورك وما يُقال في الرباط.
منار السليمي قرأ القرار بعين السياسي، لا بعين القانوني؛ فأصاب في التقاط التحول الجيوسياسي، لكنه بالغ في تقدير المضمون القانوني.

المغرب لا ينتظر اعترافًا لغويًا من نيويورك، لأنه فرض اعترافًا واقعيًا على الأرض بالتنمية، بالاستقرار، وبالبراغماتية التي حولت المبادرة المغربية، من اقتراحٍ دبلوماسي إلى حقيقة جيوسياسية .

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version