Parliament Travels in the Name of Diplomacy… Citizens Pay the Hotel Bill
الأمم لا تُقاس بعدد الرحلات الرسمية، بل بوزن القرارات حين تعود.
ومجلس النواب المغربي يبدو هذه المرة كمن اختار الإقلاع قبل الإقناع، بعدما تحوّل بند “الدبلوماسية البرلمانية” إلى تذكرة سفر دائمة تُموَّل من جيوب المواطنين باسم الوطن.
الوثائق التفصيلية للميزانية الفرعية لمجلس النواب برسم السنة المالية 2026 تُظهر أن مشروع “الدبلوماسية البرلمانية” لم يعد مجرد نشاط مكمّل، بل غدا ورشاً مالياً قائماً بذاته.
فالمجلس خصّص لهذا المشروع 55 مليوناً و600 ألف درهم، أي حوالي 5 مليارات و560 مليون سنتيم، وهو ما يمثّل 8.3 في المائة من ميزانية المجلس لسنة 2026، مقابل 7.6 في المائة سنة 2025، وبزيادةٍ تُقدّر بحوالي 13.26 في المائة مقارنةً مع اعتماد سابق بلغ 49.1 مليون درهم.
على مستوى التنقل، تكشف المعطيات أن الاعتمادات المخصّصة لتنقّل النواب والموظفين إلى الخارج، في إطار ما يسمى بتفعيل الدبلوماسية البرلمانية، تصل إلى حوالي مليار و750 مليون سنتيم.
هذا المبلغ يتوزع بين 1.3 مليار سنتيم لتنقّلات النواب وحدهم، و450 مليون سنتيم لتنقلات الموظفين المرافقين في نفس المهام.
الوثائق نفسها تشير إلى أن ميزانية نقل النواب وتعويضاتهم عن المهام بالخارج تصل إلى مليارين و300 مليون سنتيم خلال سنة 2026، وهو رقم يجمع بين كلفة تنقل النواب وتعويضاتهم الأساسية عن المهمة.
وفوق ذلك، تم تخصيص مليار سنتيم إضافية لتعويضات المهمة بالخارج لفائدة النواب، إلى جانب 2.5 مليون درهم (أي 250 مليون سنتيم) لتعويضات أخرى مرتبطة بالمهمات الخارجية، و2 مليون درهم (200 مليون سنتيم) لنقل الشخصيات الأجنبية في إطار أنشطة الدبلوماسية البرلمانية واستقبال الوفود.
اللافت أكثر أن الميزانية الأكبر داخل مشروع الدبلوماسية البرلمانية لا تتعلق بالتنقّل نفسه، بل بما يرافقه من إقامة واستقبال.
فالوثائق تفيد بأن الفندقة والإيواء والإطعام ومصاريف الاستقبال خُصص لها ما مجموعه ملياران و410 ملايين سنتيم، لتتحول ليالي الفنادق وموائد الاستقبال إلى البند الأثقل داخل مشروع يُفترض أنه يهدف إلى “خدمة صورة المغرب في الخارج”.
في الخلفية، تصل مجموع الاعتمادات المرصودة لمجلس النواب إلى 668 مليوناً و429 ألف درهم، منها 18.55 مليون درهم للعمل التشريعي والرقابي والتقييمي، و55.6 مليون درهم للدبلوماسية البرلمانية، و18.89 مليون درهم لمشروع “البرلمان الإلكتروني والتواصل”، ثم حوالي 57.5 مليار سنتيم (أي 575 مليون درهم) لمشروع “دعم المهام”.
المقارنة البسيطة تكفي: جزءٌ معتبر من المال العمومي يُضخ في السفر والإقامة باسم الدبلوماسية، بينما الاعتمادات المخصّصة للوظائف الجوهرية للمجلس التشريع والرقابة والتقييم تبقى أقل بكثير من بريق الفنادق وتذاكر الطيران.
لا أحد يجادل في أهمية الحضور البرلماني في المحافل الدولية، خصوصاً في الملفات الحساسة للمغرب، غير أن الأسئلة المعلّقة تظل أقوى من المبررات الجاهزة:
كم من اتفاقية نوعية أُبرمت بفضل هذه الوفود؟
كم من مبادرة تشريعية أو رقابية وُلدت من قلب هذه المؤتمرات واللقاءات؟
وأين توجد التقارير المفصلة التي تشرح للمواطن ماذا جرى، وماذا تحقّق، وماذا تغيّر بعد كل تلك الرحلات؟
المؤسسة التي تُطالب يومياً بتعزيز الشفافية ومساءلة الحكومة تبدو، في هذا الباب تحديداً، أقل استعداداً لعرض نفقاتها ومردودها على النقاش العمومي.
فلا آلية واضحة لتقييم “الدبلوماسية البرلمانية”، ولا التزام بنشر حصيلة الزيارات، ولا نقاش حقيقي حول أولويات صرف المال العام بين ما هو اجتماعي وما هو بروتوكولي.
المشكل في النهاية ليس في السفر ذاته، بل في رمزيته.
حين يَرى المواطن أن البرلمان يسافر أكثر مما يُشرّع، ويُنفق على الفنادق أكثر مما يستثمر في أدوات الرقابة، تتآكل الثقة في الخطاب الذي يطالبه بالتضحية والصبر.
وحين تصبح الصورة الجماعية للوفود أهم من مضمون الجلسات، تتحوّل الدبلوماسية من قوة ناعمة إلى كلفة ثقيلة.
البرلمان الذي يسافر باسم الوطن، يحتاج أولاً إلى أن يُراجع علاقته بالوطن داخل حدوده:
كيف يُدير المال العام؟
كيف يُرتّب الأولويات؟
وكيف يبرّر لمواطنيه أن “فاتورة الفنادق” جزء من معركة بناء الديمقراطية، لا من مظاهر الترف السياسي؟
