Finance Bill 2026: Tailor-Made Amendments in the Balance of Interests
كل سنة، يعود قانون المالية إلى البرلمان محمّلًا بالشعارات نفسها: “تشجيع المنتوج الوطني”، “تحفيز الاستثمار”، و“حماية الاقتصاد”.
لكن في التفاصيل، تتحوّل هذه العناوين الكبرى إلى خيوط دقيقة تُخاط على مقاس المصالح، لا على مقاس المصلحة العامة.
في النسخة الجديدة من مشروع قانون المالية رقم 50.25 لسنة 2026، تقدّمت فرق الأغلبية بـ 23 تعديلًا دفعة واحدة.
على الورق تبدو مبادرات تشريعية جريئة، لكن في العمق تكشف خريطة المصالح الاقتصادية والسياسية التي تتحرّك خلف الأرقام.
الرسوم الجمركية: بين “الحماية” و“الاحتكار”
الأغلبية اقترحت رفع رسم الاستيراد من 2,5 إلى 17,5 في المائة على “آلات غسل الملابس شبه الآلية”، بحجة أنها تُصنّع محليًا.
لكن السؤال البسيط: من المستفيد من هذا الرفع؟ المصنع الوطني… أم المستورد الذي سيستغل الحماية لرفع الأسعار؟
نفس السيناريو تكرّر مع الزجاج الأمامي للسيارات، حيث دعت الأغلبية إلى رفع الرسوم من 2,5 إلى 17,5 في المائة أيضًا، باسم “تقوية الإنتاج الوطني”، في وقتٍ ما زالت فيه الصناعة المحلية تبحث عن رؤية اقتصادية لا تشوبها “الضبابية الجمركية”.
ولم تتوقف التعديلات عند هذا الحد؛ فقد طالت “الاختبارات السريعة” الخاصة بالمختبرات، إذ طالبت الأغلبية برفع رسم استيرادها إلى 17,5 في المائة بدلًا من 2,5 إلى 10 في المائة حاليًا، بدعوى تشجيع التكنولوجيا الحيوية الوطنية.
وهكذا صار الاختبار الأسرع في المغرب هو ارتفاع الضريبة لا تسريع البحث العلمي.
وفي المقابل، تمّ تخفيض رسم الاستيراد من 30 إلى 17,5 في المائة على “اللَّاطات الخشبية الملتصقة” بهدف تشجيع الصناعات الخشبية المحلية.
خطوةٌ تبدو نبيلة في الشكل، لكنها تذكّر بأن الاقتصاد الوطني نفسه أصبح هشًّا كألواح الخشب التي يُراد إنعاشها.
الشقّ الضريبي: مرونة على المقاس
في الجانب الضريبي، اختارت فرق الأغلبية “المرونة الانتقائية” بدل العدالة الشاملة.
فقد طالبت بتكريس مبدأ رفع التقادم بالنسبة للديون الضريبية التي قُدِّمت بشأنها ضمانات لفائدة الخزينة، بما يسمح للإدارة بإعادة فرض الضرائب والغرامات حتى بعد انقضاء الآجال القانونية، إذا أخلّ الخاضع للضريبة بشروط الامتيازات.
تعديلٌ يُعيد فتح الملفات القديمة كأن الزمن المالي لا يسري على الجميع.
وفي الوقت نفسه، اقترحت الأغلبية منح خصم بنسبة 50 في المائة على المبالغ الزائدة التي يحقّقها المهنيون عند التوقف عن النشاط المهني، في حدود مليون درهم، شريطة ألا يتجاوز سنّهم 65 عامًا.
امتيازٌ أنيق، لكنه يفتح الباب أمام جدلٍ حول عدالة التحفيزات وتكافؤ المستفيدين منها.
بين المصلحة الوطنية والمصالح المتقاطعة
تقول الأغلبية إن هذه التعديلات تهدف إلى “حماية الإنتاج الوطني” و“تخفيف الضغط الجبائي”.
لكن في الكواليس، يرى مراقبون أن الأمر لا يخلو من رائحة المصالح المتقاطعة بين لوبيات المال والسياسة، وأنّ شعار “تحفيز الاقتصاد الوطني” أصبح الغطاء المفضّل لعمليات إعادة توزيع الامتيازات.
لا شيء جديد في قانون المالية… سوى طريقة القصّ والخياطة.
تُرفع الرسوم حين يخدم الأمر المصنعين الكبار، وتُخفّض حين يطلبها المستوردون النافذون، وتبقى العدالة الضريبية مجرّد “مقاس” لا يصلح لكلّ الأجساد.
قانون المالية يُفصَّل بالمقاس كل سنة، ويُخاط بميزان المصالح، على جسد بلدٍ يبحث عن العدالة قبل الأرقام، وعن سياسةٍ تخدم المواطن قبل أن تخدم المصنع.
