Bouanou Exposes the Numbers Game: From the Livestock Scandal to the Medicine Deals and the Collapse of Credibility

لم يكن ظهور عبد الله بوانو في الجلسة العمومية لمناقشة مشروع قانون مالية 2026 حدثاً عادياً.
بدا الرجل وكأنه قرر أن يفتح صنبور الحقيقة دفعة واحدة في قاعة تحاول منذ شهور تغطية الأعطاب بالأرقام وتحصين العجز بتقارير تقنية لا تُقنع حتى صانعيها.
بوانو لم يقدّم مداخلة مالية، بل محاكمة سياسية ناعمة لحكومة أنهكتها التبريرات أكثر مما أنهكتها السياسات.

كشفت مصادر إعلامية أن بوانو دخل مباشرة إلى جوهر الأزمة حين اعتبر أن الوثيقة المالية الجديدة جاءت بلا روح، بلا رهان، وبلا أثر للبرنامج الحكومي الذي تعهّدت به الأغلبية.
الكلمات كانت واضحة: لا توجد أي صلة بين ما وُعد به المواطن قبل سنوات وما يُقدم له اليوم، وكأن الحكومة نفسها قررت أن تفصل مشروعها المالي عن هويتها السياسية.
الأرقام على الورق تُوزَّع بسخاء، أما الواقع فيوزّع شكوكاً أكثر من الثقة.

ولم يكن ممكناً لبوانو أن يتجاوز ملف القطيع الوطني، تلك الواقعة التي تحولت من مجرد ارتباك تقني إلى رمز سياسي. وزارة الفلاحة أعلنت رقماً، وزارة الداخلية أعلنت رقماً آخر، والفرق كان قفزة من 17 مليون رأس إلى 32 مليون.
بالنسبة لبوانو، هذا ليس اختلافاً، بل فضيحة رقمية تسقط آخر أوراق المصداقية.
فحين تصبح الأرقام لعبة، يصبح الخطاب العمومي مجرد واجهة تتزين وتتهالك في الوقت نفسه.
لم يتردد في القول إن الواقعة وحدها كانت كافية لإسقاط حكومة بكاملها لو كانت قواعد المسؤولية تُطبّق بنفس الحزم الذي تُطبّق به لغة البلاغات.

ثم انتقل إلى قطاع الصحة، القطاع الذي لم يعد يُناقش من زاوية المنظومة بل من زاوية الصفقات.
مصادر إعلامية تحدّثت عن صفقة استيراد دواء من الصين لصالح شركة يمتلكها عضو في الحكومة، دواء دخل المستشفيات ثم خرج منها بسرعة لأن لغته الصينية لم تُقرأ كما يجب.
التفاصيل الصغيرة تكشف القصص الكبيرة، والقصص الكبيرة وحدها تجعل الحكومة تبدو وكأنها عاجزة عن تمييز ما يجب أن يدخل إلى جسد المواطن وما يجب أن يُترك في الموانئ.

لكن الأمر لم يقف هنا. فقد فجّر بوانو معطيات حول صفقة دواء خاص بعلاج السرطان، دواء يُحتسب في التعويضات بثمن يقارب 4000 درهم، بينما يُشترى في الأصل بما بين 600 و800 درهماً. مصحة واحدة، وفق المعطيات المتداولة، حققت أرباحاً تقدر بحوالي 40 مليون درهم في أسابيع.
في سوق الأدوية، الربح سياسة، لكن حين يصبح الربح جزءاً من منظومة الصفقات لا من منظومة الصحة، تتحوّل حياة المريض إلى رقم، والرقم إلى صفقة، والصفقة إلى سؤال سياسي لا يريد أحد الإجابة عنه.

ولأن السياسة لا تُختزل في الملفات الراهنة فقط، عاد بوانو إلى سنة 2007، السنة التي دخل فيها رئيس الحكومة الحالي لأول مرة إلى الجهاز التنفيذي.
أربعة عشر عاماً في قطاع واحد تكفي لتفسير الكثير من الأعطاب البنيوية التي تراكمت بصمت. لم يوجّه اتهاماً مباشراً، لكنه أشار إلى مسار طويل من النفوذ الذي امتد لسنوات دون مراجعة أو تقييم. وكأن الرجل يقول إن أزمة اليوم ليست بنت الأمس القريب فقط، بل بنت مسار كامل كان يحتاج إلى محاسبة لا إلى إعادة تدوير.

لغة بوانو كانت شديدة دون أن تكون جارحة، واضحة دون أن تكون شخصانية، سياسية دون أن تسقط في التشنج. لكنه كان يرسل رسالة واحدة: الحكومة وصلت إلى مرحلة الإرهاق السياسي، وأن ما تبقى ليس وقت الإنجاز، بل وقت محاولة الحد من الخسائر. المواطن اليوم يسمع أرقاماً كثيرة، لكن الحقيقة لا تحتاج لبلاغات.
الحقيقة، كما قال بوانو، لا تُغطى بالأرقام، ولا تُلمّع بالتقارير، ولا تُبرر بالنية الحسنة.

المغرب يدخل سنة جديدة بملفات مفتوحة، ونقاش عمومي مضطرب، وحكومة تتعثر في كل مرة تحاول أن تشرح. السؤال لم يعد: ماذا ستنجز الحكومة؟ بل: كيف ستُنهي ولايتها دون أن تخسر ما تبقى من ثقة لم تعد تُعطى بسهولة؟

هكذا تكلم بوانو… وهكذا بدأت لعبة الأرقام تكشف سقفها: الحقائق لا تموت، لكنها تسقط فوق من يتظاهر بأنه لا يراها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version