لم تكن زخّات المطر التي نزلت على الرباط قوية، لكنها كانت كافية لتفضح هشاشة مشروع رياضي جديد لم يمرّ على افتتاحه إلا وقت قصير.
ففي لحظات، تحوّل ملعب البريد من “منشأة حديثة” إلى سقف تتساقط منه المياه… مشهد أعاد إلى ذاكرة المغاربة تلك الصور التي ظنّوا أنها انتهت مع أيام الكراطة.

في بلد يستعد لاحتضان كأس إفريقيا، ويراهن على صورته القارية، يصبح السؤال أكبر بكثير من مجرد تسرب مائي:
كيف يمكن لقطرات خفيفة أن تُسقط ملايير صُرفت على مشروع قيل إنه بمعايير حديثة؟

أي يد مرت من هنا؟
وأي مسؤولية وقّعت على القبول النهائي لهذا الإنجاز؟
وأي ضمير غاب حين سُلّم مشروع بهذه الهشاشة للناس بثقة كاملة؟

ما وقع لا علاقة له بالمفاجآت الطبيعية؛ إنه نتيجة منطق قديم يتعامل مع المال العام كأنه أرقام على الورق لا منشآت في الميدان.
أوراش تُفتح بسرعة وتُغلق بسرعة، ومشاريع تُسلَّم بهدف الافتتاح لا بهدف الجودة، وصورٌ تُلتقط قبل أن تُختبر المتانة.
هكذا يصبح المواطن يرى البناية قبل أن يثق فيها.

والأقسى أن المشهد الذي شاهدناه بدا كأنه نسخة جديدة من تلك اللحظة التي هزّت صورة البلد… لحظة “الكراطة”.
وكأن الماضي يُنبّه الحاضر قائلاً:
حين تغيب الصرامة، يعود العبث.
وحين تغيب المحاسبة، تتكرر الأخطاء في قالب جديد.

ووسط كل هذا، لا يجد المغاربة إلا تلك العبارة المختصرة التي تلخص القلق كله: “الله يحفظ.”

يحفظ الملاعب التي ستستقبل البطولة…
يحفظ صورة البلد أمام إفريقيا…
ويحفظ المشاريع من عيوب لا تظهر إلا بعد فوات الأوان.

المغرب يستحق أكثر من منشآت تتساقط مع أول مطر.
يستحق مشاريع تليق بطموحه، وتشبه تعب ناسه وأموالهم.
ولا يمكن أن يتحول كل ورش جديد إلى خليط من الأمل والخوف، أو إلى اختبار بصيغة “اللهم يستر”.

ما حدث ليس نهاية القصة، بل بدايتها.
إنذار واضح بأن الأوطان تُبنى بالضمائر قبل الميزانيات.
والمطر بريء الخطأ في من جعل قطراته تتحول إلى فضيحة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version