Fouzi Lekjaa: When the State Becomes an Excel Sheet and the Citizen a Spare Cell
جلسة فوزي لقجع داخل مجلس النواب قدّمت صورة لافتة: وزير يقرأ المالية العمومية كما لو كانت جدولاً محكماً في Excel.
العجز محسوب بالنقطة، المديونية مضبوطة بالمعادلة، الموارد مصفوفة في أعمدة، والخطوط العريضة للميزانية تبدو كأنها صفحة تُرتَّب فيها الخانات بدقة متناهية كل رقم له مكانه.
كل نسبة لها معناها. كل خانة تؤدي وظيفتها… إلا الخانة التي تعكس حياة المواطنين.
الأرقام التي استعرضها لقجع تلمع كأنها إنجاز سيادي: العجز في طريقه إلى 3%، المديونية “تستقر”، موارد الدولة “تتضاعف”، والتوازنات الماكرو اقتصادية تتحسن.
والمؤسسات الدولية كما قال الوزير راضية، مطمئنة، ومقتنعة بالمسار المالي المغربي. لوحة مالية جذابة… لكنها لوحة كاملة فقط داخل الورقة.
أما خارجها، فهناك مجتمع يعيش شيئاً آخر.
في الواقع، المواطن لا يشتري خبزه بنقطة عجز، ولا يؤدي فواتيره بمعاملات النمو، ولا يدخل المستشفى بشهادة Standard & Poor’s.
الواقع الاجتماعي لا يتحرك حين تنخفض نسبة العجز، بل يتحرك حين ترتفع الأسعار. لا يتحسن حين ترتفع الموارد، بل حين تتحسن الخدمة العمومية.
لا يبتسم حين تُوزَّع الخانات المالية بذكاء، بل حين تتوزع الفرص والعدالة بإنصاف.
خطاب لقجع كان يعرض الفصول المالية بثقة خبير، لكنه كان صامتاً تجاه الفصول الاجتماعية التي لا تُكتب في Excel.
فماذا يفعل المواطن بخانة تقول إن الدولة ربحت نقطة عجز، إذا كانت النقطة نفسها تعني تجميد خدمة، أو تأجيل إصلاح، أو ضغطاً إضافياً على المدرسة والمستشفى؟ وماذا يفعل بأسطر منسقة حول التوازنات، إذا كانت حياته اليومية تفقد توازنها تحت ضغط المعيشة والغلاء والخدمات الناقصة؟
الوزير يتحدث عن “التراكمات” المالية، لكن تراكمات الواقع الاجتماعي تبدو مختلفة تماماً: اكتظاظ في الفصول، انتظار في أقسام المستعجلات، هشاشة في الدخل، غلاء في الأسعار، وفوارق تتسع بين من يحسب أرقامه في Excel ومن يحسب أيامه في ورقة حياة بسيطة.
التوازن المالي لا يعني التوازن الاجتماعي؛ قد تربح الدولة ورقة العمل، لكن تخسر ورقة الشارع.
لقجع نجح في بناء خطاب متماسك داخل الورقة لكن الورقة ليست الدولة.
والدولة ليست أرقاماً فقط.
الدولة حياة يومية، نبض اجتماعي، خدمات عمومية تُشعر الناس بأنهم جزء من المشروع، لا مجرد هامش في الجدول.
حين تتحول الدولة إلى Excel، يتحول المواطن تلقائياً إلى خانة، خانة يمكن تعديلها، حذفها، تجاوزها، أو تأجيلها.
خانة ثانوية وسط معادلاتٍ كبيرة تُكتب لأعين البعض، بينما يعيشها البعض الآخر كأعباء.
خلاصة ما قاله لقجع من حيث أراد أو لم يُرد أن المغرب يسير مالياً في الاتجاه الصحيح، لكنه اجتماعياً ما زال يسير بخطوات متقطعة، الأرقام تتقدم، لكن الناس لا يشعرون بالتقدم نفسه.
الورقة Excel قد تكون مرتبة… لكن الواقع يحتاج ما هو أكبر من التنسيق المحاسباتي.
نلتقي في الحلقة الثالثة، حيث نفتح ملف “التمويلات المبتكرة”:
الاسم الجميل لخصخصة ناعمة، تُقدَّم على أنها حلول ذكية، بينما تُباع أصول الدولة بمنطق جديد… وبمكياج جديد.
