From Land Privilege to Purification Speeches: Morocco’s “Servants of the State” Return Wearing the Costume of Reform
المغرب يعيش اليوم لحظة سياسية تعود فيها قصص الريع إلى الواجهة بلغة جديدة، بينما تظل جذورها راسخة في عمق الدولة.
وفي خضم هذا المشهد، برز خطاب “استرجاع الأراضي” و“التطهير” كنغمة تتكرّر كلما اقتربت مرحلة سياسية حسّاسة، دون أن تتغيّر المنظومة التي صنعت الامتيازات نفسها.
عبد الوافي لفتيت، الرجل الهادئ الذي صعد من مكتب الوالي إلى رأس وزارة الداخلية، لم يكن يوماً من عشّاق التصريحات. لكنه حين اختار أن يتكلم، قالها بلهجة مباشرة وغير مألوفة في الخطاب الرسمي:
“اللي دا شي أرض ديال الجماعة أو دار شي مشروع ماشي من حقّو، خصّو يردّها… وإلا غنوصلو معاه للخزيت.”
جملة قصيرة، لكنها حملت وزناً سياسياً كبيراً لأنها جاءت من مسؤول يعرف خريطة الامتيازات العقارية من الداخل، لا من الهامش.
سنة 2016، انكشف واحد من أشهر ملفات الامتياز في تاريخ الرباط: بقع فاخرة في قلب العاصمة مُنحت لكبار المسؤولين بأثمنة رمزية غير معقولة.
لم يكن ذلك خرقاً للقانون، بل كان القانون نفسه مُفصّلاً لخدمة نخبة معيّنة، ظل الملف مفتوحاً في ذاكرة المغاربة دون محاسبة أو كشف شامل للحقيقة، ومع ذلك يعود الخطاب الرسمي اليوم بلهجة توحي وكأن الدولة كانت ضحية لهذا الريع، لا أحد صانعيه.
وزارة الداخلية ليست جهاز إشراف فقط؛ إنها مركز ثقل القرار الترابي.
هي التي تعيّن الولاة والعمّال، وتصادق على الميزانيات، وتؤشر على الصفقات، وتراقب المشاريع، وتعرف كيف تتحوّل الولاءات إلى تراخيص وامتيازات.
ولهذا يبدو غريباً أن يعود الجهاز نفسه بخطاب “اكتشاف الفساد”، وكأنه لم يكن شاهداً على تطوّر هذه المنظومة منذ عقود.
الريع في المغرب ليس حادثة عابرة، بل آلية حكم.
صمت يُمنح مقابل الولاء، ورخص تُمنح مقابل السكون السياسي، ومشاريع تُستعمل كورقة انتخابية، وامتيازات تُوزّع لضبط التوازنات. هكذا يتحوّل الريع إلى نظام موازٍ يمنح السلطة نفساً طويلاً، لكنه ينهك العدالة ويقوّض الثقة العامة.
وكلما اقتربت البلاد من محطة سياسية جديدة، يظهر خطاب “الحزم” و“التقويم” و“استرجاع الأراضي”.
لكن التجربة علمت المغاربة أن اللغة الأخلاقية تعيش أطول من الإصلاح نفسه.
فالإصلاح الحقيقي يبدأ من تفكيك الامتيازات في القمة، ومن مراجعة نظام العقار في العاصمة، ومن إعادة الاعتبار للكفاءة بدل الولاء، ومن فتح الملفات القديمة التي ظلت طيّ الكتمان لسنوات طويلة.
حين قال لفتيت: “زمن التساهل انتهى”، نسي أن هذا الزمن لم يولد في الجماعات، بل في المركز. في القرارات التي مُرّرت، في الامتيازات التي مُنحت، وفي القوانين التي صُمّمت لتسمح لا لتمنع.
الشعب لا يبحث عن لغة “الخزيت”، بل عن مواجهة صريحة للذاكرة السياسية قبل مواجهة المخالفين.
اليوم يعود خطاب الإصلاح بنبرة مختلفة، لكن المنظومة التي صنعت الريع لم تتغيّر بعد.
اللحن تبدّل… لكن الأوركسترا ما تزال هي نفسها.
ومن ريع العقار إلى خطب التطهير، يعود “خدام الدولة” بنغمة الإصلاح، بينما الحقيقة البسيطة تبقى ثابتة: التغيير يبدأ فقط عندما تُفتح الملفات التي بدأت منها الحكاية.
