Medicine & Politics: A Dangerous Embrace Between the State and Capital

لم يكن مصطفى إبراهيمي، برلماني العدالة والتنمية، في حاجة إلى رفع صوته داخل البرلمان حين قال إن وزارة الصحة “تحوّلت إلى وزارة صفقات”.

الجملة وحدها كانت كفيلة بأن تغيّر مزاج الجلسة، لكن وقعها الحقيقي جاء من الملفات التي حملها الرجل معه: وثائق، معطيات، وشبهات تضارب مصالح تُلقي بظلالها على واحد من أكثر القطاعات حساسية في البلاد… قطاع الدواء.

وبينما كان النقاش موجهاً إلى الأرقام العامة لقانون مالية 2026، انحرف المسار نحو ملف بدا كما لو أنه ينتظر اللحظة المناسبة للانفجار.

فبعد طيّ صفحة “فراقشية الأغنام”، خرج ملف Pharmaprom إلى العلن، ليكشف ما هو أخطر بكثير: علاقة غير مريحة بين القرار العمومي ورأس المال، بين الدولة ومن يفترض أن يخضع لرقابتها، بين الدواء… ومن يربح منه.

إبراهيمي قالها بصراحة تحت قبة البرلمان: القطاع يعيش “فوضى وزبونية وتضارب مصالح”، وهناك “شركات وطنية أُقصيت”، بينما “شركة مرتبطة بأحد الوزراء” حصدت امتيازات غير مفهومة.

فريقه البرلماني تقدّم بتعديل قانوني لمنع استيراد أي دواء يُصنَّع محلياً من طرف أربع شركات وطنية على الأقل، في محاولة لوقف نزيف الامتيازات، وحماية الصناعة الوطنية من سطوة العلاقات.

غير أن المفاجأة الكبرى لم تأتِ من البرلمان، بل من الوثائق الرسمية التي نشرها موقع “نيشان”، والتي أعادت النقاش إلى نقطة الصفر.

الوثائق تكشف، بالأرقام والتواريخ، أن شركة Pharmaprom التي نفت وزارة الصحة سابقاً وجود أي علاقة معها حصلت على سلسلة صفقات مباشرة مع الإدارة المركزية للوزارة، لا مع الجهات ولا المستشفيات، كأن كل الخيوط يجب أن تمر من نفس النقطة.

من بين ما أظهرته الوثائق:

998.400 درهم لتوريد أدوية للمركز المغربي لمحاربة التسمم.

5.910.880 درهم للمواد التشخيصية واللوازم الطبية.

حوالي 10.8 ملايين درهم ضمن برامج محاربة الأوبئة.

11.15 مليون درهم في إطار عقد دولي.

3.243.749 درهم لتجهيز مراكز الأنكولوجيا.

أرقام متتالية، مترابطة، وقادمة من نفس الجهة داخل الوزارة… وكأن السوق بأكمله قد وُضع على مقياس واحد.

المعطيات المتعلقة بملكية الشركة تزيد السؤال إلحاحاً: Pharmaprom انتقلت ملكيتها إلى شركتي BFO Partners وBMPAR، وهما شركتان تُنسب إحداهما إلى محيط وزير داخل الحكومة قبل دخوله الفريق الحكومي. العملية مرّت قانونياً أمام مجلس المنافسة، لكنها سياسياً تحمل كل عناصر الريبة التي تجعل السؤال يتجاوز حدود الصفقات إلى عمق “منظومة الامتياز”.

فالدواء ليس قطاعاً عادياً. هو قطاع يمس حياة الناس، ويحتاج إلى أعلى درجات الشفافية والنزاهة. وحين تصبح الشركات المرتبطة بمسؤولين كبار جزءاً من السوق، وحين تُبرم صفقات بالملايين مع إدارة مركزية نفت سابقاً وجود أي علاقة، وحين يُقصى منافسون وطنيون كانوا يشكلون العمود الفقري للصناعة الدوائية… عندها يصبح السؤال أكبر من السياسة:
هل ما زال القرار العمومي محايداً؟ أم أصبح جزءاً من لعبة رأسمالية مغلقة لا يدخلها إلا من يملك مفاتيح النفوذ؟

الحكومة صامتة. والوثائق تتكلم. والبرلمان يطالب بلجنة تقصي حقائق.
ووسط هذا الصمت، يتزايد يقين الرأي العام بأن ما يجري داخل قطاع الدواء ليس “سوء فهم إداري”، بل عناقٌ خطير بين السياسة والمال، تُكتب فصوله في أماكن لا يصلها الضوء، وتُوقّع صفقاته بقلم واحد، بينما يدفع المواطن ثمن كل شيء من جيبه وصحته.

الملف مفتوح، والسؤال أكبر من أي توضيح متأخر:
من يحكم سوق الدواء في المغرب؟ الدولة… أم رأس المال؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version