Morocco’s Political Paradox: When the Monarch’s Precision Collides With a Government Unable to Match His Standards
المغرب يقف اليوم أمام لحظة فارقة، ليست لأنها مثيرة للجدل، بل لأنها تكشف بوضوح الفارق الهائل بين صرامة الدولة ورخاوة الحكومة، بين دقّة مؤسسةٍ تُدير الملفات بميزان الذهب، وجهازٍ تنفيذي يقدّم المعطيات وكأنه يناقش موضوعاً مدرسياً لا قراراً سيادياً.
هذه الفجوة لم تأتِ من صحافة مستقلة أو تقارير خارجية؛ جاءت من صلب البرلمان، حين واجه النائب عبد الله بوانو الحكومة بحقيقة مُرّة:
الأرقام التي قدّمتها قبل عيد الأضحى لم تكن صحيحة… والإحصاءات الرسمية لوزارة الفلاحة نسفتها بالكامل.
الحكومة أوحت بأن القطيع ضعيف وأن الوضع لا يسمح، فتراجعت آلاف الأسر عن الاستعداد للأضحية — وهي شعيرة من شعائر الله — قبل أن يظهر الإحصاء الوطني متجاوزاً 32.8 مليون رأس.
هنا لم يحتج بوانو إلى البلاغة؛ قال فقط:
“هذا وحده كافٍ لإسقاط حكومة كاملة.”
لكن ما يكسر الصمت ليس الخطاب… بل المفارقة:
كيف لحكومة أن تقدّم تقديرات بهذا الحجم دون التحقق من أساسها؟
كيف تُبنى مواقف الدولة على توقعات تتهاوى عند أول رقم رسمي؟
وكيف يجد الملك نفسه — وهو رأس الدولة وأمير المؤمنين — يواجه واقعاً غير مطابق للمعطيات التي رُفعت إليه؟
المشهد يصبح أكثر حدّة في مشروع آخر.
عندما قُدمت سيارة “مغربية الصنع” أمام الملك، بدا الأمر كإعلان عن دخول المغرب مرحلة صناعية جديدة.
لكن بعد أسابيع فقط، تحوّل المشروع إلى علامة استفهام، ليس بسبب السيارة، بل بسبب الطريقة التي عُرضت بها:
هل كانت الحكومة دقيقة؟ أم أنها تعوّدت على تقديم النسخ الأولى من المشاريع كما لو كانت نسخاً نهائية؟
هنا يظهر الخلل الحقيقي:
الملك يشتغل بمنطق الدولة، والحكومة تشتغل بمنطق العرض.
الأول يبحث عن الحقيقة، والثانية تبحث عن التصفيق.
الأول يمهّر القرارات بالتدقيق، والثانية تقدّم القرارات “محسوبة بالعين”.
النتيجة أن المغرب يبدو وكأنه يسير بسرعتين:
سرعة مؤسسة ملكية تبني رؤية واضحة لا تأخذ خطوة دون معلومة محكمة،
وسرعة حكومة تتعامل مع الأرقام وكأنها اقتراحات قابلة للتغيير.
وحين تُبنى قرارات حساسة على تقديرات غير محكمة، لا يُضرب المواطن فقط في شعائره، بل تُضرب الدولة في رمزيتها.
فما وقع في العيد لم يكن مجرد خطأ في الحساب؛ كان مساساً بثقة شعب في قرارات تُبنى على معطيات غير دقيقة.
وما وقع في مشروع السيارة لم يكن سجالاً تقنياً؛ كان سؤالاً حول مصداقية ما يُعرض أمام الملك من مشاريع يفترض أنها جاهزة ومدروسة.
الخلاصة، بشكل أبعد من المجاملة:
المغرب لا يعاني ضعفاً في القيادة، بل ضعفاً في الحكومة.
لا يحتاج ملكاً أكثر صرامة فهو كذلك بل يحتاج حكومة تستطيع اللحاق بمستوى هذه الصرامة.
لا يحتاج مشاريع تُعلن أمام الملك، بل مشاريع تمُرّ من نار التدقيق قبل أن تُعرض عليه.
لأن الملك، بما يمثله من شرعية تاريخية وروحية، لا يحتاج إلى مشاريع جميلة… بل إلى حقائق صلبة.
الدولة القوية لا تُدار بالتقديرات، ولا بالمحاولات، ولا بالانطباعات.
الدولة القوية تُدار بالحقائق.
وفي هذا العام تحديداً، كانت الحقيقة أقسى من كل الروايات… وأبلغ من كل الخطب.
