Antaki Hospital Tender Cancelled… When the Reconstruction Project Exposes Itself Before Launch
لم يكن قرار الوكالة الوطنية للتجهيزات العامة بإلغاء صفقة تأهيل مستشفى داوود الأنطاكي بمراكش مجرد تفصيل إداري يُدرج في سجل الصفقات، بل تحوّل إلى نقطة ضوء قوية تكشف طريقة تدبير ورش الإعمار، أكثر مما تشرح مسطرة قانونية.
فالتوقيع الذي وضعته المديرة العامة زينب بنموسى على القرار يوم 11 نونبر جاء مباشرة بعد أن كانت موقع نيشان قد كشفت معطيات مثيرة حول إدراج المستشفى ضمن لائحة البنيات “المتضررة” من زلزال الحوز، رغم أن الأضرار الفعلية التي لحقت به سنة 2023 وفق شهادات مهنية لم تتجاوز تشققات طفيفة لا تستدعي مشروعاً ضخماً تحت عنوان “إعادة الإعمار”.
المبرّر الرسمي للإلغاء يعود إلى طلب من وزارة الصحة يقضي بتغيير “جوهر” المعطيات التقنية للمشروع، وفق المادة 48 من مرسوم الصفقات العمومية.
على الورق، يبدو السبب مقنعاً ومؤسساً قانونياً، غير أن الأسئلة التي يثيرها تتجاوز بكثير حدود النصوص.
فكيف تُطلق صفقة عمومية بهذا الحجم دون ضبط كامل للمعطيات التقنية؟ وكيف يتغيّر “جوهر” المشروع في آخر لحظة قبل فتح الأظرفة؟ ومن يضمن أن البرمجة كانت فعلاً تستند إلى تقييمات دقيقة، لا إلى لوائح عامة أُعدّت تحت ضغط السرعة أو الرغبة في إظهار تقدّم وهمي في أوراش الإعمار؟
ما نشره موقع نيشان سابقاً يعمّق الشكوك أكثر، فالمستشفى الذي لم يكن متضرراً بشكل يُذكر أُدرج فجأة ضمن مشاريع الإعمار، قبل أن تتوقف صفقة إصلاحه بطريقة توحي بأن القرار لم يكن ثمرة مراجعة تقنية هادئة، بل أشبه بإعادة ترتيب أوراق بعد أن خرج الملف إلى العلن.
وهنا يبدأ السؤال الحقيقي: هل نحن أمام تصحيح متأخر لمسار مرتبك؟ أم أن طريقة اشتغال ورش الإعمار برمّته تحتاج إلى مراجعة أكثر عمقاً؟
توقيت الإلغاء يزيد هذه الأسئلة وزناً. فمن غير المألوف أن تُلغى صفقة أياماً قليلة قبل فتح الأظرفة، إلا إذا كانت البرمجة الأولى غير ناضجة، أو إذا تم اكتشاف أن التدخلات المقترحة لم تكن متناسبة مع حجم الأضرار، أو ببساطة لأن المشروع لم يكن مؤهلاً للدخول ضمن لوائح الإعمار منذ البداية.
مثل هذه القرارات المتأخرة لا تبعث على الاطمئنان، خصوصاً عندما يتعلق الأمر ببرنامج وطني ضخم يُفترض أن يكون الأكثر شفافية ودقة.
ومع تكرار حالات مشابهة، يتزايد لدى المواطنين شعور بأن ورش الإعمار يتحرك داخل مساحة رمادية كثيفة: مشاريع تُعلن، أخرى تُعدّل، وثالثة تُلغى، بينما الخطاب الرسمي يستمر في الحديث عن جاهزية عشرات المراكز الصحية.
وبين التصريحات المطمئنة والواقع المليء بالتحفظات، تتسع الهوة بشكل يطرح سؤال الرقابة بشكل مباشر: من يتابع؟ ومن يراقب؟ ومن يشرح للرأي العام؟
وراء هذه الحادثة يقف سؤال أكبر من مستشفى الأنطاكي نفسه: كيف تُبنى لوائح الإعمار؟ من يقوّم حجم الضرر الحقيقي؟ وكيف تُصرف ميزانيات ضخمة يفترض أن توجه إلى المناطق الأكثر تضرراً؟ هل نحن أمام أولويات واضحة وصرامة تقنية، أم أمام مشاريع جانبية تجد لنفسها مكاناً تحت مظلة “الإعمار” دون أن يلتفت إليها أحد؟
قد يكون إلغاء الصفقة خطوة صحيحة، لكنه جاء متأخراً بما يكفي ليكشف أن الورش ينفضح قبل أن يبدأ: مستشفى شبه سليم يتحول إلى مشروع إعمار، مسطرة تنطلق قبل أن تُحسم معطياتها الأساسية، وقرار يُتخذ فقط بعد أن تثار الأسئلة إعلامياً.
ومع غياب تفسير رسمي مباشر، يبقى السؤال مفتوحاً: هل كان هذا مجرد خطأ جرى تداركه… أم علامة على طريقة تدبير تحتاج بدورها إلى إعادة إعمار شاملة؟
