Mansouri and the Architecture of Justification… When Explanations Become a Governing Strategy
لم يكن ظهور وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، مجرد محطة تواصلية عادية.
بدا أقرب إلى محاولة هندسة سردية جديدة لورش إعادة إعمار الحوز، تُسندها الأرقام والمصطلحات التقنية، لكنها في العمق تكشف جانباً آخر من التحديات التي تواجه هذا الورش: برامج عمرانية بطيئة الإيقاع، خطاب رسمي يتوسع في الشروح، ونتائج لا ترتفع بالسرعة التي ينتظرها الواقع.
قدّمت الوزيرة معطيات دقيقة حول مرحلتي الإحصاء اللتين همّتا أزيد من 330 ألف بناية، وانتهتا إلى تحديد 58.968 بناية مرخصة لإعادة البناء.
كما تحدثت عن المنصة الرقمية، واللجان المختلطة، والتنسيق مع الداخلية ومؤسسة العمران ، تبدو الصورة ظاهريا محكمة ومنظمة.
لكن خلف هذا الانضباط الرقمي يقف سؤال لا يمكن تجاوزه:
هل نحن أمام تقدم فعلي، أم أمام لغة تقنية تُستعمل لتعويض بطء التنفيذ؟
لغة التصريحات تكشف أن التبريرات أصبحت جزءاً مركزياً من خطاب الوزارة:
وعورة التضاريس، الخصاص في الموارد البشرية، غلاء مواد البناء، هشاشة المقاولات، صعوبة المراقبة… إلى آخر القائمة.
صحيح أن إعادة الإعمار ورش معقد، لكن التجارب الدولية تؤكد أن النجاح يُقاس بقدرة الدولة على تجاوز الإكراهات، لا بتعدادها.
ولهذا، يرى عدد من المتابعين أن المنصوري كانت في حاجة إلى لحظة وضوح مؤسساتي تعترف فيها بأن عدداً من البرامج العمرانية السابقة لم يحقق أهدافه، بدل الاكتفاء بتكرار السياق الجغرافي والظروف التقنية.
وفي ملف السكن، تؤكد الوزيرة نهاية الإعفاءات والاستثناءات، وأن “تصميم التهيئة” هو المرجع الوحيد. غير أن هذه الصرامة تطرح سؤالاً أكبر حول ما إذا كانت تعالج جذور الاختلالات، أم تعيد ترتيب آثارها فقط.
فبرنامج 250 ألف درهم، رغم المنصة الرقمية، ما يزال يبحث عن إيقاع مستقر، مع اعتراف رسمي بوجود أخطاء تقنية.
أما الركود الذي عرفه القطاع بعد كوفيد والحرب الأوكرانية، فما زال أثر تجاوزه محدوداً في الواقع المعيش.
وفي العالم القروي، تبدو ورش الإعمار أكثر تعقيداً.
تقول الوزيرة إن 80% من المقاولات صغيرة أو متوسطة، وإن القانون يسمح ببناء بيوت بدل الشقق.
لكن البناء القروي لا ينهض بالقوانين وحدها، بل بمنظومة رقابة ورقمنة وقدرة تنفيذية، وهو ما ظهر من خلال اعتراف المنصوري بأن دعم البناء الذاتي تعذّر بسبب “عدم القدرة على ضبط الفواتير”.
أما حين تشير الوزيرة إلى أن التعمير ليس اختصاص وزارتها وحدها، وأن الداخلية شريك أساسي، فإن ذلك يكشف مأزقاً بنيوياً أوسع:
ورش وطني ضخم برأسين إداريين، بإيقاعين مختلفين، ورؤيتين لا تلتقيان دائماً. وحين تتعدد المراكز، تتباطأ القرارات، مهما كانت الخطط مضبوطة.
في نهاية المطاف، يبقى الشعور العام هو نفسه:
الورش أكبر من الخطاب، والانتظار أطول من التبريرات، والنتائج أقل من حجم الوعود.
الإعمار ليس مسألة مصطلحات تقنية ولا مجهود تواصلي، بل امتحان مباشر لقدرة السياسات العمومية على تحويل الأرقام إلى واقع، والإعلانات إلى بناء، والتصريحات إلى أثر ملموس في حياة المواطنين.
الأعذار قد تكون مفهومة في الأيام الأولى بعد الكارثة، لكن استمرارها اليوم يعكس جانباً آخر: مشاريع كثيرة لم تتقدم بالسرعة المطلوبة، وبرامج عديدة بقي أثرها محدوداً. وكان من الضروري إعلان ذلك بوضوح، لأن الشفافية ليست إعلان فشل… بل إعلان بداية جديدة
