Fouzi Lekjaa: The Fiscal Mind That Designs Tomorrow Before Anyone Arrives

يستطيع المتتبع أن يختلف مع فوزي لقجع في التفاصيل، لكن لا أحد يمكنه إنكار حقيقة واحدة:
الرجل لم يعد مجرد وزير منتدب مكلف بالميزانية، بل أصبح عقلاً مالياً يتحكم في إيقاع الدولة أكثر مما يتحكم البرلمان نفسه.

هذه ليست قراءة سياسية، بل خلاصة تخرج من بين سطور خطاباته، ومن الطريقة التي يعيد بها تشكيل مفهوم “الاستمرارية”:
ميزانيات تُصاغ اليوم كما لو أنها كُتبت لولاية لم تأتِ بعد، وتوجهات مالية تُعلن وكأن صنّاع القرار القادمين مجرد ضيوف على دفتر حسابات جاهز، وبرلمان يجد نفسه أمام وثائق محسومة أكثر مما يجد نفسه أمام نقاش حقيقي.

لقجع لا يقدّم أرقاماً فقط، بل يقدّم تصوراً كاملاً لشكل الدولة.
ولهذا يبدو خطابه أكبر من مجرد عرض مالي:
إنه هندسة، وتصميم، وتثبيت لاختيارات تُبنى اليوم لتظل قائمة غداً، بغضّ النظر عمّن سيصل إلى الحكومة أو يغادرها.

حين يتحدث عن عجزٍ مضبوط، ومديونية “يجب أن تستقر”، وهوامش مالية أُغلقت حتى لا تُفتح، ومسار اجتماعي يحتاج سنوات من التثبيت، فهو لا يقدم قراءة، بل يقدّم إطاراً عاماً يغلق الباب أمام البدائل.
كأن السياسة تصبح مجرد تفاصيل صغيرة داخل حسابات كبيرة.

ويتضح ذلك أكثر حين يتحدث عن “سنوات قادمة”
وكأنه يمسك مفاتيحها الآن:
خيارات مالية جاهزة، مسارات دعم محددة، توازنات يجب الحفاظ عليها، وحلول تُعلن مسبقاً حتى لا يبقى مجال لأي خط سياسي آخر.
هذا يعني شيئاً واحداً: المستقبل المالي للمغرب يُرسم الآن… وبأقل قدر ممكن من المفاوضة.

أما البرلمان، فيظهر داخل هذا المشهد كمتفرج أكثر منه فاعلاً:
يسمع، يسأل أحياناً، يعترض بلطف، لكن يجد نفسه في النهاية أمام أرقام مقفلة، وصياغات تجعل كل تعديل يبدو خارج السياق.
لقجع يقدّم مشروعاً جاهزاً، والمؤسسة التشريعية تصوّت عليه كتحصيل حاصل.

وراء هذا كله، توجد فلسفة مالية جديدة:
التحكم في المستقبل عبر ضبط الحاضر، ورسم الإطار قبل وصول أي حكومة، والتأكد من أن الطريق مرسوم مهما تغيّرت الوجوه والتحالفات.
إنها نسخة مغربية من “الاستمرارية”، لكن بلغة محاسباتية لا سياسية.

المفارقة أن هذه القوة المالية تأتي في زمن تعيش فيه الدولة الاجتماعية مخاضاً عسيراً: انتقالات ضخمة على الورق، نتائج بطيئة على الأرض، وملايين ما زالت تبحث عن أثر حقيقي.
ومع ذلك، يصرّ العقل المالي نفسه على تثبيت المسار كما لو أن الوقت كافٍ، وكأن المواطن يستطيع الانتظار أكثر مما ينتظر الآن.

بين خطاب البرلمان وخطاب الشارع، يقف لقجع كمهندس يشتغل على قَدَرٍ مالي، لا ينتظر إجماعاً ولا يراهن على تعديل.
يرسم الطريق كما يراه: ثوابت محاسباتية، توازنات مقدسة، اختيارات لا يُسمح بالمساس بها، ومستقبل مكتوب قبل أن يصل إليه أحد.
لقجع لم يعد يقدّم الأرقام… بل يقدّم “العقل” الذي يحكم بها.
العقل الذي يكتب ميزانيات اليوم والغد، ويضيق الهامش أما السياسة، ويضع البرلمان في موقع الشاهد بدل موقع صانع القرار.

وفي دولة تبحث عن التوازن بين المال والسياسة، يبقى السؤال الأكبر: هل تتحكم السياسة في الميزانية؟ أم أصبحت الميزانية
هي التي تتحكم في السياسة؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version