Between Shortages and Barada’s Strategy… When the Ministry of Education Turns to Retired Teachers Amid Youth Shock
توقفت الأنظار مجدداً عند وزارة التربية الوطنية بعد إعلانها فتح باب المشاركة أمام الأساتذة المتقاعدين للانضمام إلى برنامج الدعم التربوي الموسّع داخل مؤسسات وإعداديات الريادة.
خطوة قُدّمت بعبارات هادئة على أنها استثمار في “الخبرة المتراكمة”، لكنها جاءت في لحظة مشحونة اجتماعياً، مباشرة بعد صدمة نتائج الانتقاء الخاصة بمباراة التعليم، لتطرح سؤالاً عريضاً حول الاتجاه الذي تسير فيه سياسة برادة داخل قطاع يعيش واحداً من أعقد مخاضاته.
وتدعو الوزارة جميع الراغبين من المتقاعدين إلى التوجه نحو المديريات الإقليمية الأقرب إلى مقرات سكناهم من أجل تسجيل رغباتهم وتحديد طبيعة مشاركتهم وفق حاجيات كل منطقة.
صيغة تبدو هادئة ومنسجمة مع هدف سدّ الخصاص، غير أن توقيتها يحمل دلالات أعمق مما يبدو في ظاهر البلاغ.
فالخطوة جاءت بعد ساعات فقط من إعلان نتائج الانتقاء الخاصة بالمترشحين لولوج مباراة التعليم، وهي نتائج أدّت إلى إقصاء آلاف الشباب بسبب عتبات التنقيط التي صدمت فئة واسعة منهم، وعمّقت جدلاً قائماً منذ اعتماد شرط السنّ في حدود 35 سنة؛ شرط ما يزال يثير أسئلة حادة في غياب توضيحات رسمية دقيقة من الوزارة أو من الحكومة.
يجد المتابع نفسه أمام مشهد مربك: في اليوم نفسه الذي خسر فيه آلاف الخريجين فرصة المشاركة في الامتحان الكتابي، تعلن الوزارة عن فتح الباب أمام أساتذة أنهوا مسارهم المهني قبل سنوات.
هكذا يتشكّل مشهد تربوي تبدو فيه المعادلة مقلوبة: إدماج سريع للمتقاعدين لسدّ خصاص متزايد، مقابل إقصاء صارم لشباب مؤهَّلين ينتظرون فرصة ولوج المهنة.
وتزداد المفارقة وضوحاً حين يوضع هذا التطور بجانب قرار سنّ 35 سنة، الذي يحصر طموحات آلاف الشباب، بينما تُمنح أبواب العودة لمن تجاوزوا الستين، مقاربة تستحق تفسيراً أكبر مما قُدّم حتى الآن.
تبرير الحاجة للخبرة لا يلغي حقيقة أن الخصاص البنيوي في الموارد البشرية داخل المنظومة التربوية يمتد لسنوات طويلة.
فالوزارة تواجه منذ سنوات تحديات تتعلق بانخفاض وتيرة التوظيف، وتوسّع الخريطة المدرسية، وضغط الأقسام، وتفاوتات جهوية مستمرة.
وضمن هذا السياق، يبدو اللجوء إلى المتقاعدين حلاً إسعافياً أكثر منه خياراً إصلاحياً، وهو ما يعيد طرح السؤال حول قدرة التخطيط التربوي على مواكبة المتغيرات الديمغرافية والتعليمية.
ولا يمكن المرور مرور الكرام على الأثر الذي خلفته نتائج الانتقاء على آلاف المترشحين الذين أمضوا شهوراً طويلة في الاستعداد، وتكبدوا تكاليف مالية ومعيشية، ورهنوا عاماً كاملاً من حياتهم على أمل اجتياز مباراة واحدة.
فقد بدا كثيرون أمام قرار موجز وقاطع: “غير مقبول لاجتياز المباراة” من دون تفسير أو تسبيب أو معايير تفصيلية. هذا الشعور باللا معنى جعل النقاش يتجاوز الجانب الإداري إلى مستوى أعمق يتعلق بالثقة في مسار الإصلاح نفسه.
لا أحد يجادل في قيمة خبرة الأساتذة المتقاعدين ولا في دورهم التاريخي داخل المدرسة العمومية، لكن إعلان الوزارة يكشف سؤالاً يتجاوز حدود البلاغ: أي صورة لمستقبل التعليم حين يعتمد جزء من حلوله على الماضي أكثر مما يراهن على الجيل القادم؟ بين الحاجة الآنية وسؤال الاستدامة، تبدو المنظومة التربوية أمام مفترق طرق: هل تُبنى المرحلة المقبلة على دمج الخبرة المتراكمة بالشباب المؤهل؟ أم تستمر المفارقة التي تجعل المستقبل مؤجلاً لصالح حلول ظرفية؟
المؤشرات الحالية تقول إن النقاش لم يُحسم بعد، وإن المدرسة المغربية ما تزال تبحث عن معادلتها الدقيقة بين الإرث والخبرة، وبين الحاجة العاجلة وحقّ الشباب في العبور.
