في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخ التوترات الجيوسياسية الحديثة، لوّحت إيران بإمكانية إغلاق مضيق هرمز، الممر البحري الذي يُعدّ الشريان الرئيسي لصادرات الطاقة العالمية، وذلك رداً على ضربات عسكرية أميركية طالت منشآت نووية إيرانية حساسة.

هذا التهديد، وإن لم يُنفّذ بعد، يحبس أنفاس العالم، ويعيد إلى الأذهان مشاهد الحرب الباردة لكن هذه المرة بصيغة نفطية ـ نووية.

المضيق، الذي تمر عبره ما يقرب من 20 مليون برميل نفط يومياً ـ أي ما يعادل نحو ثلث إمدادات النفط المنقولة بحراً ـ يمثّل عنق الزجاجة في منظومة الأمن الطاقي العالمي.

وهو الرابط البحري بين الخليج العربي وبحر العرب، ومنه تنطلق صادرات الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، الإمارات، الكويت وقطر، نحو الأسواق العالمية.

وإغلاقه حتى ليوم واحد قد يتسبب بزلزال اقتصادي عالمي يعصف بأسواق الطاقة والنقل والتأمين، ويمتد أثره إلى سلاسل التوريد والصناعات الثقيلة.

اقتصادياً: نحو كساد طاقي محتمل

إذا أقدمت إيران فعلاً على إغلاق المضيق أو حتى عرقلت الملاحة فيه، فإن أول التأثيرات المباشرة ستكون على أسعار النفط، التي قد تتضاعف خلال أيام، لتصل إلى أرقام قياسية تفوق 150 دولاراً للبرميل، وفق تقديرات محللين في “بلومبيرغ” و”غولدمان ساكس”.

هذه القفزة ستدفع بمعدلات التضخم للارتفاع في الدول الصناعية الكبرى، لا سيما في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى رفع جديد في أسعار الفائدة، وبالتالي ركود اقتصادي عالمي.

من جهة أخرى، سيتأثر سوق الغاز الطبيعي المسال، إذ تمر نسبة كبيرة من صادرات قطر أكبر منتج للغاز المسال عالمياً عبر المضيق.

وستشهد عقود النقل البحري والتأمين ارتفاعاً حاداً في الأسعار، وسط مخاطر جيوسياسية متصاعدة في المنطقة.

سياسياً: اشتباك دبلوماسي وعسكري متعدد الأطراف

إغلاق المضيق لا يُعد خطوة عسكرية فحسب، بل يُعتبر بمثابة إعلان حرب اقتصادية على النظام العالمي. ومن شأن ذلك أن يدفع قوى غربية وربما تحالفات بحرية جديدة إلى التدخل المباشر لضمان “حرية الملاحة”، وفق ما تنص عليه اتفاقيات الأمم المتحدة.

وقد نشهد إعادة تموضع للقوات الأميركية والبريطانية في الخليج، وربما إنشاء قواعد مؤقتة في الدول المجاورة.

كما ستضطر الدول المستهلكة الكبرى ـ مثل الصين والهند واليابان ـ إلى استخدام نفوذها الدبلوماسي للضغط على طهران والغرب في آن، للحيلولة دون دخول الأزمة في دوامة لا يمكن السيطرة عليها.

أما في الداخل الإيراني، فقد يكون هذا التهديد بمثابة ورقة ضغط تستخدمها القيادة لتعزيز موقفها في أي مفاوضات نووية مستقبلية، أو للردع الإقليمي في وجه تل أبيب وواشنطن.

انعكاسات محتملة على النظام العالمي

إغلاق المضيق حتى نظرياً يبعث رسالة واضحة مفادها أن الاقتصاد العالمي لا يزال هشاً أمام تقلبات الجغرافيا السياسية.

وقد يدفع هذا الواقع بعض القوى إلى تسريع مشاريع بديلة، مثل خطوط الأنابيب العابرة للمحيطات (كما تفعل السعودية عبر أنابيبها في البحر الأحمر)، أو زيادة الاستثمار في الطاقات المتجددة كوسيلة للتحرر من ابتزاز الجغرافيا.

في المحصلة، لا يتعلق الأمر بمجرد “ممر مائي”، بل بقرار استراتيجي يُمكنه إعادة تشكيل النظام الدولي من جديد، وربما وضع العالم على حافة مواجهة كبرى ذات طابع نفطي ـ نووي غير مسبوق.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version