في أول خروج إعلامي بالصوت والصورة، قدّم وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، روايته التفصيلية بشأن ما أصبح يُعرف بـ”تسريبات جبروت”، والتي شغلت الرأي العام مؤخراً، بعد الكشف عن امتلاكه لعقار فاخر في قلب العاصمة الرباط بقيمة تفوق 11 مليون درهم، اقتناه بقرض بنكي سنة 2020، قبل تقلده الوزارة، وسدّد أقساطه في ظرف أربع سنوات فقط.

المثير في القضية لم يكن في اقتناء العقار فحسب، بل في عملية الهبة التي منح بموجبها الوزير هذا العقار لزوجته، والتي لا تشتغل ولا تتوفر على تقاعد، مع التصريح بقيمة لا تتجاوز مليون درهم فقط. الأمر الذي فتح الباب أمام تأويلات عديدة، من بينها شبهة التهرب الضريبي.

وهبي دافع عن نفسه قائلاً: “العقار أهديته لزوجتي في إطار الكد والسعاية، كاعتراف بدورها الأسري”، مضيفاً أن الهبة لم تكن بيعاً ولا تفويتاً مربحاً، وبالتالي فلا موجب لأداء ضرائب عن أرباح لم تُجْنَ. بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال إنه حر في تقييم العقار بما يشاء، طالما أن الأمر لا يتعلق بعملية تجارية.

غير أن هذا التبرير، رغم بساطته الظاهرة، يُخفي وراءه إشكالاً جوهرياً: هل فعلاً يمكن تقييم عقار في موقع استراتيجي بقلب الرباط بمليون درهم فقط؟ ألا تخضع الهبات، بحكم القانون، لضريبة تُحتسب على أساس القيمة الحقيقية للعقار، وفقاً للمعايير المعتمدة لدى إدارة الضرائب؟

فالقانون المغربي، وإن كان يسمح بالهبة، فإنه يُلزم الموهوب له بأداء رسوم تسجيل تُحسب بنسبة 1% إذا تعلق الأمر بين الزوجين، لكن على أساس السعر الحقيقي للعقار، أو على الأقل القيمة المرجعية المحددة من طرف المصالح الجبائية حسب المنطقة والحي.

تصريحات الوزير، وإن جاءت في سياق دفاع مشروع، فتحت الباب أمام سؤال أكبر وأخطر: هل يمكن لكل من يملك عقاراً أن يصرّح بقيمة رمزية، ويمنحه لأحد أفراد أسرته، ويتفادى بذلك أداء رسوم التسجيل؟ وهل ستصبح الهبة وسيلة جديدة لـ”إعادة ترتيب الثروات” بعيداً عن أعين الضرائب؟

وهنا تحديداً، رُميت الكرة في مرمى إدارة الضرائب، التي ستجد نفسها مضطرة إما إلى غض الطرف، ما قد يشجع على تكرار الأمر، أو إلى تفعيل المساطر الجبائية المعتمدة، مما سيضعها في مواجهة مباشرة مع وزير العدل نفسه.

المعادلة معقدة، والمبدأ في الميزان: فإما أن نكرّس مبدأ المساواة أمام القانون، أو نترك الباب مفتوحاً لاجتهادات انتقائية تقوّض الثقة في المنظومة برمتها.

وفي انتظار موقف واضح من الجهات المختصة، يبقى السؤال مفتوحاً:

هل الهبة، في صيغتها الجديدة، تحوّلت من فعل نبيل إلى أداة التفاف أنيق على القانون؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version