B-A

في تصريح لافت لا يزال صداه يتردد في أروقة النقاش العمومي، قال وزير العدل عبد اللطيف وهبي إن “من واجبنا أن نتقاسم أموالنا مع المهاجرين السريين الأفارقة”، في جملة أراد بها على ما يبدو تعظيم قيمة التضامن، لكنها سقطت في أذن الشارع المغربي كدويٍّ يعيد طرح سؤال السياسة الاجتماعية:
هل نحن في موقع القوة أم في وضعية تنازل؟

ففي الوقت الذي يعاني فيه المواطن المغربي من هشاشة مزمنة، واحتقان اجتماعي لا تخطئه العين، جاء تصريح الوزير كمن يُلقي زيتًا على نار الأسئلة المؤجلة:
من نُعين أولاً؟ من نحمي أولاً؟ من نُطبطب على جرحه أولاً؟

تصريح أم زلّة محسوبة؟

قد يرى البعض في عبارة وهبي نزعة إنسانية نابعة من موقع المسؤولية، لكنها من زاوية أخرى، تمثل خرقًا لبوصلة الأولويات الحكومية، تلك التي يُفترض أن تنطلق من الداخل نحو الخارج، من المواطن نحو الوافد، من الهامش الذي نعرفه إلى الهامش الذي نجهله.

فالعدالة الاجتماعية ليست “شعارات منبرية”، بل منظومة تبدأ بالتسجيل القانوني، والتأطير المؤسساتي، ثم الإدماج المراقب، لا العطف العشوائي.

خلفية التوتر: حين تتراكم الهشاشات

تصريحات الوزير جاءت في سياق اجتماعي ملتهب، تشهد فيه بعض المدن ارتفاعًا ملحوظًا في كثافة المهاجرين غير النظاميين، مقرونًا بمشاهد متكررة للفوضى العمرانية والسلوكية، وسط غياب أي إطار واضح للضبط الإداري أو الأمني.

وقد أقر وهبي بنفسه أن القضاء يواجه صعوبات كبيرة في التعامل مع هؤلاء، نظراً لغياب الوثائق الرسمية أو الهوية القانونية، ما يطرح السؤال الجوهري:
هل يُعقل أن نمر من فوضى الهوية إلى فوضى التوزيع؟

منطق التقاسم في غياب الضبط

الوزير تحدّث عن “تقاسم الأموال”، لكن هل تملك الحكومة خريطة طريق واضحة للهجرة؟ هل تم إعداد المجتمع للبنية التحتية القادرة على تحمل هذا الإدماج؟ أم أن العبارة، كما قيلت، تكشف عن خلل بنيوي في ترتيب الأولويات داخل السياسات العمومية؟

تصريح كهذا لا يُفهم فقط كسقطة لغوية، بل يمكن قراءته كـ تسليم ضمني بأن منطق التضامن سبق منطق التنظيم.

المواطن كدولة مصغّرة

لا غرابة أن يُستقبل هذا التصريح بالغضب من شريحة واسعة من المغاربة، الذين يشعرون أنهم مطالبون بالصبر والتنازل والتضامن… دون أن يروا أثراً ملموساً لهذا الصبر في خدماتهم اليومية.

ففي أعين كثيرين، عبارة الوزير لم تكن مجرد جملة، بل كانت رمزاً لغياب الإنصاف مقابل التوسّل العاطفي، وكأن الحكومة تطالبهم بالعطاء بينما لا تضمن لهم الحد الأدنى من الأمان الاجتماعي.

التمويلات الأوروبية… حين يُموَّل الصمت ولا تُفهم الشروط

بعيداً عن النية الإنسانية التي يُراد تسويقها، لا يمكن فصل هذا الملف عن التمويلات الكبيرة التي يتلقاها المغرب من الاتحاد الأوروبي، في إطار ما يُعرف بـ “التعاون في مراقبة الحدود والهجرة غير النظامية.”

فالمغرب يحصل سنوياً على ملايين اليوروهات تحت عناوين مثل “دعم قدرات الاستقبال” و”برامج الإدماج”، فيما يُصرف جزء غير يسير منها في شكل تعويض جيو-سياسي عن لعب دور دركي الحدود الأوروبية.

لكن المعضلة تبدأ حين تُطلق الحكومة خطاب “تقاسم الأموال” وكأن الأمر داخلي بالكامل، بينما تغيب عن النقاش حقيقة:

هل نمول الإدماج من مالنا؟ أم نُمرر تمويلاً أوروبياً بلا سيادة؟

وإذا كانت هذه الأموال موجودة، فمن حق المواطن أن يعرف: من الجهة التي تنفذ المشاريع؟ من يراقب صرفها؟ وأين يُسجّل أثرها؟

بين النوايا والنتائج: ما لا يُقال في التصريحات

السؤال الأعمق هنا:

هل تصريحات وهبي تعكس توجهاً حكومياً منسقاً؟ أم أنها مجرد تمهيد لتوسيع شبكة التمويلات الأوروبية تحت غطاء أخلاقي؟

لأن أخطر ما قد يحدث، ليس أن يتقاسم المغربي ماله،
بل أن يُطلب منه ذلك، بينما تُعفى الحكومة من شرح من أين تأتي هذه الأموال… وأين تذهب فعلاً.

خاتمة: حين تتحدث الحكومة بلغة الرحمة… ويسأل المواطن عن العدل

في النهاية، ليست الرحمة عيباً، لكن العيب أن تُمنح الرحمة في غياب الإنصاف، وأن يُفتح باب المشاركة دون إغلاق نافذة الفوضى.

في السياسة، لا تُقاس النوايا بل النتائج،
ومن قال إن المال يُقاسم دون حماية، قال ضمناً إن القرار يُتخذ دون وضوح، وإن الثقة تُطلب قبل البرهان.

وربما لم يكن على الوزير أن يقول “نتقاسم أموالنا”، بل أن يشرح أولاً: هل هذا القرار إنساني… أم مفوَّض… أم مُمَوَّل؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version