مع اقتراب محطة الانتخابات التشريعية، يعود الزخم السياسي إلى الواجهة، وتستيقظ الأحزاب من سباتها الطويل، فتملأ الفضاءات الإعلامية بكلماتها، وتُنشّط المؤتمرات الحزبية، وتغزو منصات التواصل ببلاغات وخرجات قادتها… لكنّ المتتبع المتبصّر لا ينسى أن أغلب هذه الأصوات ظلّت صامتة، أو متردّدة، أو مستكينة منذ تشكيل التحالف الثلاثي.
فأين كانت هذه المعارضة؟ ولماذا تأخرت في استعادة صوتها؟ وهل العودة في الزمن الانتخابي تكفي لتصحيح مسار سياسي افتقد للنبض طيلة ولايةٍ كاملة؟
المعارضة التي كانت تنتظر نصيبها بصمت
الواقع السياسي المغربي شهد خلال السنوات الأخيرة تواطؤًا ناعمًا لبعض الأحزاب المصنَّفة “معارضة”، والتي، عوض أن ترفع صوتها بالمحاسبة أو تقديم البدائل، اختارت سياسة “السكوت مقابل الأمل”، أمل أن تُرضي رياح التعديل الحكومي القادم، أو أن تنال نصيبًا من الكعكة السياسية التي وُزعت في صمت.
لم تكن المعارضة، في كثير من الأحيان، معارضة برامج، بل معارضة انتظار، تتحرك فقط حين تتغير موازين القوى، أو حين يُغلق الباب أمام الطموحات الوزارية والصفقات السياسية، لتعود فجأة إلى العلن، وتنتقد ما كانت تباركه ضمنيًا.
موسم الاستيقاظ الجماعي
الغريب أن بعض هذه التشكيلات الحزبية التي لم نكن نسمع لها همسًا داخل البرلمان، أصبحت فجأة نشيطة، تُنظّم المؤتمرات، وتُصدر البيانات، وتنتقد السياسات التي مرّت تحت أعينها دون اعتراض يُذكر.
هو موسم العودة، موسم التهييء، موسم إعادة التموقع.
منصات التواصل الاجتماعي امتلأت بتصريحات قادة سياسيين “عادوا إلى الساحة”، وكأنّ أربع سنوات من الصمت كانت مجرد “استراحة محارب”، أو بالأحرى استراحة باحث عن مقعد، أو توافق، أو صفقة.
برلمان بتمثيلية هجينة… ومشهد يُعاد تشكيله
البرلمان الذي يُفترض فيه أن يكون منبرًا للرقابة والتشريع، تحوّل، في هذه الظرفية، إلى أرض معركة خلفية لإعادة ترتيب المواقع قبل الانتخابات.
فبعض الأحزاب، التي دخلت القبة تحت راية المعارضة، أدّت دورها بصمت، ولم تُحرّك ساكنًا أمام القرارات الكبرى التي مست جيوب المواطنين، من ارتفاع الأسعار إلى هدر المال العمومي.
واليوم، ومع اقتراب المحطة التشريعية، تسعى لاسترجاع موقعها الخطابي من خلال شعارات كبيرة، لكنها فارغة من الإنجاز البرلماني، كأنّ الذاكرة السياسية للمغاربة قصيرة.
المواطن يدفع ثمن الصمت المؤقت
الخاسر الأكبر من هذه المعارضة الموسمية هو المواطن المغربي، الذي لم يجد من يمثله بقوة داخل المؤسسات، ولا من يدافع عنه حين تمسّ كرامته في المدرسة والمستشفى والسوق.
وجد نفسه وحيدًا أمام تحالف حكومي من جهة، ومعارضة هامشية من جهة أخرى، تنتظر فقط اللحظة المناسبة للانقضاض على “الفرصة القادمة”.
ختام… السياسة ليست منبراً للغائبين
السياسة، في جوهرها، ليست حلبة يُغادرها اللاعب ثم يعود حين تشتد الأضواء. هي التزام، وموقف، ومواجهة، ومرافعة دائمة.
والشعوب التي تعاني، لا تنتظر من يعارض فقط في موسم الانتخابات، بل من يعارض حين يكون الثمن باهظًا، وحين يكون الصمت هو الطريق الأسهل.
فإن كانت بعض القوى الحزبية قد غابت طيلة خمس سنوات، فمن حق الشعب أن يغيب عنها ساعة التصويت.