رغم الحملة الواسعة التي تقودها وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور للترويج لما تسميه “نجاح دعم السياحة الداخلية”، يكشف الواقع الميداني عن صورة مغايرة، تُختصر في زوّار قلائل، ومشاهد ركود تختزل الفجوة بين الأرقام الرسمية والحركية الحقيقية على الأرض.
حملات ترويجية بأغلفة لامعة وشعارات ملونة، ميزانيات تُقاس بمئات الملايين، وخطابات لا تكف عن التغنّي بـ”الإقلاع السياحي الوطني”، بينما الشوارع خالية، والمرافق فارغة، والفنادق تشتكي.

تحت عنوان “نتلاقاو في بلادنا”، خصّصت الوزارة غلافاً مالياً ضخماً بلغ 800 مليون درهم. لكن الحقيقة الميدانية تقول شيئاً آخر: السياحة الداخلية في حالة ركود غير مسبوقة، والوجهات الوطنية فقدت جاذبيتها، لا بسبب ضعف الجمال الطبيعي، بل بفعل سوء التدبير وغلاء الأسعار وغياب العروض الجاذبة للمواطن المغربي.

اللافت في هذا المشهد أن عدداً متزايداً من المغاربة باتوا يفضلون قضاء عطلهم خارج الوطن، لا بحثاً عن الترف الزائد، بل لأن العروض المقدمة من دول مثل تركيا وتونس البرتغال باتت أقل تكلفة وأكثر جودة، مقارنة بأسعار الفنادق والنقل والترفيه داخل المغرب.
كيف يُعقل أن يقضي مواطن مغربي أسبوعاً كاملاً في مدينة تركية مصنّفة، بتكلفة تقل عن عطلة مماثلة في أكادير أو تطوان أو الداخلة؟

المشكلة ليست في المواطن، بل في مقاربة عمومية جعلت من المواطن زبوناً ثانوياً، وراهنت دوماً على السائح الأجنبي في الحملات والعروض والتسويق.

وما زاد الطين بلة، أن الوزارة تُدرج أحياناً أفراد الجالية المغربية ضمن إحصائيات “السياحة الداخلية”، وكأن المواطن العائد إلى وطنه لقضاء عطلة عائلية يُحسب سائحاً في جداول الإنجاز!

التقارير الرسمية، ومنها تقارير المجلس الأعلى للحسابات، حذّرت مراراً من غياب رؤية وطنية متماسكة لتطوير السياحة الداخلية، ودعت إلى خلق مديريات خاصة، وتفويض أوسع للجهات في التخطيط والتسعير والعرض. لكن، وكما يحدث دائماً، تُرفع التقارير وتُطوى، وتُصرف الميزانيات وتُنسى، وتستمر العروض الورقية بدل بناء الثقة الميدانية.

ما نراه اليوم ليس فقط فشلًا في الترويج، بل إخفاقاً في فهم المواطن المغربي واحتياجاته وقدرته الشرائية.
فمن أراد مغربًا سياحيًا فعليًا، عليه أولاً أن يؤمن بأن المواطن ليس رقماً في نشرة، بل محور لكل سياسة عمومية ذات جدوى.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version