كعادته بعد كل خطاب ملكي، سارع حزب “التجمع الوطني للأحرار” إلى إصدار بلاغ يُثمن مضامين خطاب عيد العرش، ويُشيد بالمنجزات، ويجدد التزامه الراسخ بتنزيل الرؤية الملكية من مختلف المواقع والمسؤوليات. بلاغ مُحكم الصياغة، لا غبار على وفائه الرمزي، لكنه يُثير جملة من الأسئلة حول الحدود الفاصلة بين الخطاب السياسي والحصيلة الواقعية.

فحين يصف الحزب، وهو يقود الحكومة، إنجازات المرحلة بأنها “ثمار حكامة رائدة ومبادرات استراتيجية”، فإن الرأي العام من حقه أن يتساءل: أين موقع السياسات الحكومية الحالية من هذه المنجزات؟ وهل تكفي لغة الإشادة والتثمين لتغطية التحديات التي لا تخطئها عين المواطن؟

بلاغ بصيغة رسمية… ولكن بلغة “المُنجَز”

يشير البلاغ، بعبارات تفيض بالإعجاب، إلى “الارتقاء إلى فئة الدول ذات التنمية البشرية العالية”، وإلى “نسبة نمو منتظمة للاقتصاد الوطني”، كما يتحدث عن “انتصارات دبلوماسية” و”نقلة نوعية في التأهيل المجالي”. لكن المتأمل في المضمون يلاحظ هيمنة منطق التوصيف، دون أن يكون للحكومة، التي يرأسها الحزب، نصيب واضح من التوضيح أو التبرير حول الآليات العملية لتفعيل هذه التوجهات.

الواقعية السياسية… الغائب الأكبر

كان من الأجدر، والحزب يعبّر عن “انخراطه الكامل”، أن يتوقف قليلًا عند مواطن التعثر، وأن يُظهر قدرًا من التقييم الذاتي لأداء الحكومة خلال السنوات الماضية، خاصة في ما يتعلق بورش الحماية الاجتماعية، والتفاوتات المجالية، وملف التعليم العمومي، والتشغيل، ومستوى ثقة المواطن في المؤسسات.

فبلاغ من هذا النوع لا يُنتظر منه فقط أن يُحيي الإرادة العليا، بل أن يُبرز مدى تفاعل الجهاز التنفيذي مع تلك الإرادة، لا سيما وأن مضامين الخطاب الملكي، كانت صريحة في الإشارة إلى التحديات الاجتماعية والتحولات الديمغرافية، وضرورة بلورة سياسات عمومية أكثر نجاعة.

عندما يمتدح الحزب الحكومة التي يقودها

اللافت أن البلاغ يمزج بين لسان الحزب ولغة الحكومة، في مفارقة سياسية لا تخلو من الحرج، حيث يبدو الحزب وكأنه يُصادق على أداء هو مسؤول عنه، ويمتدح نتائج يُفترض أن يكون هو المُحاسب بشأنها. وهنا يضيع الفاصل بين العمل السياسي النبيل، وممارسة التزكية الذاتية.

خلاصة :

البلاغ، في صيغته الرسمية، لا يُخالف الأعراف ولا يُجانب الانضباط المؤسسي، لكنه في العمق، يُمثّل فرصة ضائعة للتفاعل السياسي الناضج، الذي لا يكتفي بالتثمين، بل يضع اليد على مكامن الخلل، ويعترف بأن تنزيل التوجيهات الكبرى، لا يكون بالشعارات، بل بالسياسات القابلة للقياس، والتواصل الصادق مع المواطنين.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version