بقلم: مصطفى شكري


لا شيء يعكس فشل الدولة الاجتماعية في المغرب مثل قطاع الصحة، حيث يجد المواطن نفسه بين مطرقة الخدمات الرديئة وسندان الانهيار المؤسساتي. لقد قالها ذات مرة الوزير السابق مصطفى الرميد بصراحة في إحدى خرجاته الإعلامية، إن “الدولة عاجزة عن ضمان العلاج المجاني للجميع”، وإن نظام المساعدة الطبية “الراميد” لا يمكن أن يستمر، لأنه “غير عملي وغير منصف”.

هذا التصريح، وإن بدا صادمًا، فإنه يعكس ما تعيشه يوميًا فئات واسعة من المغاربة، خصوصًا الطبقات الهشة التي كانت تعلق آمالًا على بطاقة الراميد كمفتاح للولوج إلى العلاج. غير أن واقع المستشفيات العمومية، وانعدام الأدوية، والخصاص المهول في الأطر الطبية، يحوّل تلك البطاقة إلى مجرد ورقة بلا قيمة أمام المعاناة اليومية للمرضى.

“الراميد”: الوهم الذي أكلته البيروقراطية

منذ إطلاقه سنة 2012، ظل نظام “الراميد” يثير الجدل بسبب غياب آليات التفعيل الجيد، وانعدام العدالة في الاستفادة، وغياب التغطية الدوائية، كما اشتكت عشرات التقارير من “اختلالات بنيوية” تمسّ جوهر هذا النظام. بل إن وزارة الصحة نفسها اعترفت مرارًا بأن الراميد بات عبئًا بدل أن يكون حلًا.

وقد أظهرت أرقام رسمية أن ما يزيد عن 11 مليون مغربي كانوا يتوفرون على بطاقة “الراميد”، إلا أن نسبة الاستفادة الفعلية لم تتجاوز 35%، وذلك بسبب ضعف الخدمات أو غيابها أصلاً في العديد من المراكز الصحية، لا سيما في القرى والمناطق الجبلية.

قطاع مريض… بشهادة الأرقام

تشير تقارير المجلس الأعلى للحسابات ومرصد السياسات الصحية إلى أن:

المغرب يسجل معدل طبيب واحد لكل 1,640 نسمة، أي أقل بكثير من توصيات منظمة الصحة العالمية (1 طبيب لكل 1,000 نسمة).

معدل سرير استشفائي واحد لكل 1,700 نسمة، وهو رقم يفضح واقع البنية التحتية الصحية.

نسبة الميزانية المخصصة للصحة لا تتجاوز 6.6% من الميزانية العامة، وهي نسبة هزيلة مقارنة بحجم الخصاص والاحتياج.

هذا الوضع يدفع عشرات الآلاف من الأسر إلى اللجوء إلى القطاع الخاص، ما يخلق فجوة طبقية خطيرة بين من يستطيع الدفع ومن لا يجد حتى وسيلة نقل للوصول إلى مركز صحي.

ما بعد الرميد: هل هناك بديل؟

الحكومة أطلقت رسميًا مشروع “الحماية الاجتماعية الشاملة” لتعويض نظام الراميد، لكن الملاحظ أن هذا المشروع يعاني من التسرع والغموض، ويبدو أقرب إلى حملة إعلامية منه إلى سياسة اجتماعية حقيقية.

فهل ستتمكن الحكومة من تعويض ذلك الفشل التاريخي؟ وهل ستضمن الحماية الصحية لكافة المغاربة؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون حلقة جديدة في مسلسل الوعود المؤجلة؟

الخلاصة

حديث مصطفى الرميد عن “عدم قدرة الدولة” ليس اعترافًا فرديًا، بل هو عنوان عريض لحالة الإنهاك العام التي وصل إليها قطاع الصحة في المغرب. فالدولة التي لا تستطيع أن تعالج مواطنيها، لا يمكن أن تدّعي بناء نموذج تنموي جديد. الصحة ليست امتيازًا، بل حقّ دستوري، ولا بديل عن استثمار جاد، وشجاع، وعادل في الإنسان

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version