كشفت مصادر إعلامية متطابقة أن المفتشية العامة للإدارة الترابية شرعت، قبيل حلول العطلة الصيفية، في زيارات تفتيش غير معلنة همّت عددا من المجالس الإقليمية، التي يترأسها منتخبون متورطون في شبهة تبديد المال العام، فيما بدت بعض التحركات الإدارية أشبه بمحاولة لتطويق الكارثة أكثر من مواجهتها.

وحسب ما علمته صحيفة “الصباح”، فقد لجأ موظفون بأقسام تقنية إلى إخفاء وثائق حساسة تتعلق بصفقات عمومية فُصّلت على مقاس مقاولين بعينهم، وذلك بطلب مباشر من رؤساء مجالس إقليمية يُشتبه في تورطهم في قضايا فساد مالي، تُهدد بإحالة ملفاتهم على محاكم جرائم الأموال.

التقارير المسربة من داخل بعض الولايات والعمالات، خصوصًا في جهة الرباط سلا القنيطرة، تشير إلى شبهات ثقيلة تحيط بصفقات ضخمة تهم إنجاز مسالك طرقية بجماعات قروية، جرى إبرامها بطرق مشبوهة، متجاوزةً كل مقتضيات الشفافية وتكافؤ الفرص المنصوص عليها في الدستور والمرسوم المنظم للصفقات العمومية.

بحسب مصدر مطلع تحدّث إلى “الصباح”، فإن بعض المجالس الإقليمية أقدمت على جمع أشغال مسالك طرقية متعددة في صفقة واحدة، مع تحديد مدة الإنجاز في ثمانية أشهر فقط، ما أخرج تلقائيًا المقاولات المتوسطة والصغيرة من دائرة المنافسة. والأخطر من ذلك، أن دفتر الشروط فرض تصنيفًا تقنيًا من الدرجة الأولى (تصنيف 1)، وهو شرط لا يُلزم به حتى من طرف وزارة التجهيز والماء.

نائب برلماني وصف الأمر بـ”التلاعب”، معتبرا أن الشروط الموضوعة “مفصّلة مسبقًا” لتخدم جهة بعينها، دون مراعاة لتكافؤ الفرص أو التنمية المتوازنة، خصوصًا أن الأشغال المعنية موزعة على تراب الإقليم، ما يجعل منطق تقسيمها إلى صفقات متوسطة ضرورة فنية لا اختيارًا.

حسب المعطيات المتوفرة، فإن فتح أظرفة العروض تمّ دون استكمال الدراسات التقنية، بل وقبل المصادقة على البرنامج في دورة رسمية، كما ينص على ذلك القانون التنظيمي. هذا الخرق القانوني لا يُعدّ فقط تجاهلًا للمساطر، بل استباقًا مفضوحًا لنتائجٍ لم تتضح معالمها بعد، في إشارة إلى اتفاقات ضمنية قد تكون حُسمت سلفًا.

مصدر مطلع وصف ما حدث بـ”قفز مفضوح على قواعد النزاهة”، وتساءل عن جدوى الشعارات الرسمية التي تكرّس للشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، في الوقت الذي تُدار فيه الصفقات بمرونة انتقائية، تنتهي غالبًا في جيوب من يعرف كيف يُخفي أوراقه جيدًا.

خاتمة :

حين تُفتح أظرفة العروض قبل نهاية الدراسات، وتُحدد شروط المشاركة بما يُقصي الصغار، وتُدار المجالس بروح الصفقات لا خدمة المواطنين… تصبح المساطر مجرّد غلاف قانوني لنظام محلي يمشي على حافة المحاسبة، وينتظر فقط أن يُكمل التفتيش ما بدأه الغموض.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version