بينما تشتعل حرارة الصيف وتزداد وتيرة التنقل والسفر، وجد عدد من الموظفين العموميين أنفسهم في مواجهة سؤال بيروقراطي بارد: “أين شهادة مغادرة التراب الوطني؟”
وثيقة تبدو للوهلة الأولى إجراءً عاديا، لكنها في الواقع تمثل، بحسب فقهاء القانون والدستور، خرقًا واضحًا لمبدأ دستوري يضمن حرية التنقل لكل المواطنين.

كشفت مصادر إعلامية أن ممارسات متفرقة في بعض الإدارات العمومية لا تزال تُلزم الموظفين المدنيين بالحصول على ترخيص مسبق لمغادرة البلاد، رغم غياب أي سند قانوني لذلك، ما أثار حفيظة عدد من المتضررين، خاصة خلال موسم العطل السنوية.

وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، لم يتردد في وصف هذا الإجراء بـ”غير القانوني، بل وغير الدستوري”، موضحًا في تصريح لجريدة هسبريس أن الفصل 24 من الدستور ينصّ بوضوح على أن “حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون”، وهو ما يجعل كل تقييد لهذا الحق دون أساس تشريعي صريح مخالفًا لمقتضيات الدستور نفسه.

وثيقة من زمن البصري… وظلها ما يزال

وأعاد وهبي أصل هذه الممارسة إلى دورية قديمة صدرت إبان عهد وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، كانت تهم فئات محددة ذات طبيعة مهنية خاصة، مثل حاملي السلاح، من رجال أمن وقوات مسلحة ودرك وجمارك ومياه وغابات وسجون، وهي فئات يُلزمها القانون بالحصول على ترخيص لمغادرة التراب الوطني بحكم حساسية مواقعها.

غير أن الوثيقة تطوّرت مع الزمن من استثناء إلى قاعدة، ومن ظرفية أمنية إلى روتين إداري، حتى باتت تُطلب من موظفين مدنيين عاديين لا ينطبق عليهم أي من الشروط الخاصة التي كانت تبرّر وجودها أصلًا.

وهبي دعا بشكل صريح إلى وقف هذا الإجراء فورًا، واعتبر أن التمادي في المطالبة به من طرف بعض المسؤولين الإداريين هو شكل من أشكال الشطط، وانتهاك لحق أساسي من حقوق الإنسان.

القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر الإدارية، الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2020، يمنع صراحة مطالبة المرتفقين، بمن فيهم الموظفون، بأي وثيقة أو مستند لا يستند إلى نص تشريعي أو تنظيمي واضح. ورغم ذلك، ما تزال الإدارات تطلب هذه “الشهادة” وكأن النصوص لا تعنيها، وكأن القانون مجرد نص مؤجل.

وقد سبق لوزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة أن أكدت، هي الأخرى، عدم وجود أي أساس قانوني للمطالبة بهذه الوثيقة من الموظفين المدنيين، مما يُفترض أن يُنهي الجدل نظريًا… لكنه عمليًا لا يزال يتكرر مع كل موسم سفر.

خاتمة :

في زمن يُبشّر فيه بالتحول الرقمي وتبسيط الإدارة، لا تزال وثيقة قديمة بلا سند، قادرة على تعطيل حق دستوري وضرب مبدأ الثقة بين المواطن والإدارة.
الحرية لا تحتاج إلى شهادة، والتنقل ليس تفضّلا من الموظف المسؤول… بل حقٌ لا يُقيَّد إلا بالقانون، لا بالمزاج الإداري.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version