حسب مصادر إعلامية متطابقة، أثارت سهرة فنية نُظّمت مؤخرًا بمنطقة سيدي معروف التابعة لمقاطعة عين الشق، جدلاً واسعًا وغضبًا صامتًا في أوساط السكان والمهتمين بالشأن المحلي.
السهرة التي أحيتها دنيا بطمة و”البنج” وشلة من الفنانين، سُوّقت كـ”نشاط ترفيهي لفائدة الساكنة”، غير أنها تحوّلت سريعًا إلى مادة للانتقاد، بعدما انفجرت على هامشها أسئلة كبرى عن جدوى هذا الإنفاق العمومي في حيّ يُصنَّف ضمن أكثر المناطق تهميشًا وتنميةً هشّة داخل العاصمة الاقتصادية.

الساكنة عبّرت، بصوت خافت تارة، وناقم تارة أخرى، عن رفضها لهدر المال العام على منصات الأضواء، بينما تعيش أزقتها في الظلام، وتُعاني أسرها من انقطاعات يومية للماء، وانتشار مزمن للعشوائيات والباعة المتجولين والكلاب الضالة.

حسب نفس المصادر، يُنظر إلى هذه الأنشطة من طرف عدد من المتتبعين باعتبارها جزءًا من موجة غير معلنة من التحضير الانتخابي، حيث تعمد بعض المجالس إلى رفع وتيرة “التنشيط” عبر الحفلات والمواسم، مستعملة لغة “الثقافة والفن” كواجهة ناعمة لاستمالة كتلة انتخابية طالما عانت من الإقصاء، وتحتاج الآن أكثر من أي وقت إلى خدمات لا أغاني.

سكان الحي لم يتأخروا في توجيه أصابع الاتهام إلى نائب رئيس المقاطعة، عبد اللطيف الناصري، الذي وُصف بأنه “ابن الحي الذي اختار العزف بدل الإنصات”، في إشارة إلى مواقفه الصامتة إزاء تدهور البنية التحتية وغياب المبادرات التنموية الجادة، رغم وعوده المتكررة بتحسين ظروف العيش قبل الانتخابات.

حالة سيدي معروف ليست معزولة. بل تكشف عن نمط جديد من التدبير الجماعي يقوم على “الاحتفال بدل الإنجاز، والكرنفال بدل البناء”. ميزانيات تُخصص لإحياء السهرات بينما شبكات الصرف الصحي تنهار، والأزقة تُظلم، والأسر تنتظر عدّادات الكهرباء التي لا تأتي.

الفن ليس خصمًا للمجتمع. لكنه يُصبح عبئًا حين يُستخدم كأداة لتأجيل الحلول، وتمييع الأسئلة، وتجميل واقع لا يقبل الزينة. وحين يتحوّل “الكمان والطَعريجة” إلى سياسة عمومية، فذلك إيذان بأن التنمية انسحبت… وصفّقت الجماعة لمشهد بلا مضمون.

الداخلية مطالبة بالخروج من صمتها الرقابي

حسب فاعلين محليين، فإن استمرار هذا النوع من الإنفاق غير المنتج دون مراقبة أو مساءلة يُضعف صورة الدولة ويُربك علاقتها بالمواطن. وزارة الداخلية، باعتبارها سلطة الوصاية، مطالبة بإعادة ترتيب الأولويات، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بدل ترك بعض الجماعات تعزف على أوتار المال العام بصيغة “من مالكم نزيد نغنّي ليكم”.

الاحتفال في حد ذاته ليس خطأ. لكن حين يصبح المحتوى الوحيد للمجالس الجماعية، وحين تصرف الأموال على منصات الغناء أكثر مما تصرف على منصات الماء والدواء، فهنا يُصبح الفن نفسه حزينًا، وتتحوّل الطَعريجة من آلة إيقاعية إلى أداة للطم السياسي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version