-بقلم: مصطفى شكري
في بلد يُفترض أن العدالة فيه ضامن للاستقرار، لا تزال صورة المحاكم المغربية ملتبسة، تتأرجح بين طموحات الإصلاح وواقع مثقل بالخروقات والتجاوزات. وعلى الرغم من التنصيص الدستوري على استقلال القضاء، فإن الوقائع الميدانية تشهد بغير ذلك، وتكشف أن المحاكم ليست دائمًا دارًا للحق.

تثير ملفات كثيرة جدلًا واسعًا حول حياد القضاء ونزاهة بعض أجهزته، خصوصًا حين تُطرح قضايا تتعلق بحرية الصحافة، أو ملفات ذات طابع سياسي، أو مصالح نافذين في الإدارة والسلطة. ويتزايد هذا الجدل مع تسجيل حالات اعتقال غير مسبوقة في صفوف قضاة، محامين، سماسرة قضائيين، ووكلاء للملك، تورطوا في ملفات فساد ورشوة والتلاعب بمصائر المتقاضين.

من طنجة إلى آسفي، مرورًا بفاس وبني ملال والدار البيضاء، سجل الرأي العام سقوط أسماء كانت تعتبر فوق الشبهات، بعد أن كشفت التحقيقات عن شبكات داخل المحاكم تنسج علاقات خفية بين وسطاء ومسؤولين قضائيين مقابل المال أو النفوذ. وفي بعض الحالات، تم ضبط مبالغ مالية ضخمة بحوزة قضاة أو موظفين داخل مكاتبهم، في مشهد يُقوّض فكرة القضاء النزيه ويمس بهيبة المؤسسة بكاملها.

هذا الواقع لا يعكس فقط اختلالات فردية، بل يُظهر هشاشة منظومة لا تزال قابلة للاختراق، في غياب آليات صارمة للرقابة والمحاسبة. والأسوأ من ذلك، أن بعض هذه الملفات يُحاط بجدار من الصمت الرسمي، وتُمنع تفاصيلها من التداول الإعلامي، ما يكرّس غموضًا مقصودًا بدل المصارحة والشفافية.

المخرجات الحالية للمحاكم تعكس هذا القلق المجتمعي: أحكام متضاربة، بطء في الإجراءات، انتقائية في تفعيل المتابعات، وهيمنة بعض الأسماء على مسارات التقاضي. المواطن البسيط لا يرى في المحكمة مساحة للإنصاف، بل متاهة من الانتظار والعلاقات غير المتكافئة، وأحيانًا ساحة مفتوحة للسمسرة والمساومة.

في المقابل، يُسجَّل أن هناك قضاة شرفاء، ومحامين نزهاء، وموظفين مخلصين، يعملون في ظروف صعبة ووسط منظومة غير متوازنة. هؤلاء لا يملكون من أدوات التغيير إلا ضمائرهم، في غياب حماية مؤسساتية حقيقية لمن يرفض الانخراط في الفساد أو المحسوبية.

فما السبيل إذًا إلى عدالة حقيقية؟

الجواب لا يكمن فقط في تغيير النصوص أو إحداث مجالس عليا، بل في إرادة سياسية عميقة تعترف بأن الأزمة أخلاقية وثقافية قبل أن تكون إدارية أو قانونية.
لابد من تطهير شامل وشجاع داخل الجسم القضائي، بإعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ونشر نتائج التحقيقات للرأي العام، وتوفير حماية قانونية للقضاة النزهاء.
كما أن فصل القضاء عن السلطة التنفيذية، وتعزيز المراقبة المجتمعية والإعلامية على المحاكم، وتحقيق استقلال فعلي في التعيينات والتأديب، هي خطوات لا مفر منها لإعادة بناء الثقة.

المواطن المغربي لا يطلب المستحيل، بل يطالب فقط أن تكون قاعـة المحكمة مكانًا للحق، لا ميدانًا للمساومة، وأن يكون القاضي حكمًا نزيهًا، لا جزءًا من صفقة أو شبكة.
وتلك مسؤولية دولة، لا مجرد أمنية.

مصطفى شكري
المنسق الوطني للصحافة والإعلام بالمغرب
الدار البيضاء، غشت 2025–

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version