بين خطابٍ يدعو إلى تعزيز السياحة الوطنية، وسلوكٍ يُفضّل الطائرات العابرة للقارات، تتكشف المفارقة الهادئة التي لا يجرؤ كثيرون على تسميتها: بعض وزراء الحكومة المغربية يُتقنون فنّ الغياب، أكثر مما يُتقنون حضورهم في الملفات اليومية.

مصادر إعلامية كشفت أن عدداً من الوزراء اختاروا قضاء عطلتهم الصيفية خارج المغرب، مباشرة بعد مراسيم الولاء، متفرقين بين الولايات المتحدة، فرنسا، إيطاليا، اليونان وموناكو. بينما قرّر رئيس الحكومة، كما جرت العادة، التوجّه إلى منتجع تغازوت، كمَن يحاول الإبقاء على خيط واهٍ من الانتماء الجغرافي.

المشهد يبدو عاديًا للوهلة الأولى، فالمسؤولون بشر، ولهم حق العطلة.
لكن حين يكون هؤلاء أنفسهم هم من يدعون عبر بلاغات رسمية إلى دعم السياحة الداخلية، واكتشاف مؤهلات الوطن، يصبح سفرهم إلى الخارج فعلًا فاضحًا بصمتٍ دبلوماسي.

هؤلاء الذين يظهرون في البلاغات كحمَلة رايات وطنية، لا يظهرون في محطات القطار المغربية، ولا في الفنادق المحلية، ولا في الشواطئ التي تحتضن مغاربة الصيف الثقيل.
كيعجبونا غير في البلاغات: فاش كيهدرو على المواكبة، والتنزيل، والانخراط في الرؤية الملكية. أما منين كتجي لحظة الإختيار الشخصي… كيهربو لبلاد أخرى، بلا ما يديرو حتى “إعجاب” لبلادهم.

أغلب الوزراء الذين غادروا، أقفلوا هواتفهم، تاركين الملفات السيادية معلقة، وكأن المغرب مؤجل حتى إشعار آخر. خمسة فقط ممن يشغلون مناصب حساسة قرّروا البقاء، مؤقتًا أو عن قناعة.

في لحظة اقتصادية دقيقة، حين تُطلق الدولة برامج تحفيز السياحة وتدعو الطبقة الوسطى إلى إنفاق مدخراتها داخليًا، يظهر أن جزءًا من النخبة السياسية ما زال يعتبر الوطن مجرد إدارة نهارية، ويفضل أن يقضي لياليه في فنادق بعملات أجنبية.

والأدهى من ذلك، أن الوجهات المفضلة لهم تغيّرت: من إسبانيا إلى دول شرق أوروبا، بعدما غصّت الأولى بالسياح المغاربة من الطبقة المتوسطة. كأنّ النخبة تسعى دومًا إلى الانفصال عن القاعدة، حتى في العطلة.

فلوسنا ما يديّوهم غيرنا، هكذا يقول المثل. لكن يبدو أن بعض الوزراء ما كيآمنوش به، إلا فاش كيكون موضوع البلاغ فيه “تشجيع المنتوج الوطني” أو “أولوية السوق الداخلية”.

المغاربة اليوم لا ينتظرون من وزرائهم أن يقضوا عطلتهم في الخيام أو الرياضات العتيقة. لكن على الأقل أن يُظهروا بأنهم يتنفسون هواء نفس البلد، ويشاركونه صيفه وشتاءه… لا أن يختفوا في اللحظة التي يكون فيها الحضور رمزيًا أكثر من أي وقت مضى.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version