أسعار البيض في المغرب ترتفع بهدوء… لكن وقعها على الموائد الشعبية صار أكثر جلبة من أي صراخ رسمي.
مادة غذائية بسيطة، توصف تقليديًا بأنها “وجبة الفقراء”، صارت فجأة سلعة تُضبط وفق منطق غامض، تتلاعب به أطراف غير مرئية، وتلتزم حيالها الجهات المعنية صمتًا مريبًا.

منذ بداية الصيف، شهدت الأسواق المغربية ارتفاعًا لافتًا في ثمن البيضة الواحدة، تجاوز في بعض المناطق 1.60 درهم، دون أن يُقدَّم أي تفسير حكومي مقنع، رغم وفرة العرض المفترض وتراجع أسعار الأعلاف عالميًا، واستمرار الامتيازات الضريبية والجمركية التي يستفيد منها الفاعلون في القطاع.

البيضة… مرآة عجز السياسات العمومية

المفارقة الصادمة أن ارتفاع السعر جاء في ظرف يُفترض أن يكون ملائمًا للإنتاج، ما يكشف من جديد الهشاشة التنظيمية التي تطبع سلاسل التموين الغذائي بالمغرب، ويعيد طرح الأسئلة حول مدى قدرة الحكومة على مراقبة مناورات السوق، أو حتى فهم منطقها.

لا وزارة الفلاحة تكلّمت، ولا مجلس المنافسة تحرّك، ولا أي جهة رسمية رفعت الستار عن ما يجري في كواليس “فراقشية البيض”، الذين يملكون مفاتيح السوق، ويُعدّلون الأسعار كما يشاؤون، في غياب تام لأي توازن مؤسساتي.

فقراء المغرب… يُراقبون سلعة تُغادر موائدهم

من طنجة إلى الدار البيضاء، من الأسواق الشعبية إلى محلات الأحياء، لم يعد البيض “أكل الفقراء”، بل تحول إلى مؤشّر طبقي يفرّق بين من يقتني البيضة دون تفكير، ومن يُحصيها على قدر عدد الأبناء.
وهنا لا يتعلق الأمر بكمالية موسمية، بل بمكوّن رئيسي من النظام الغذائي المغربي اليومي، تُهدّده حلقة من المضاربين تُراكم الربح وتُفقّر المواطن.

وتبدو الجهات المسؤولة كأنها تُدير الشأن الغذائي بنظام الريع بدل منطق الخدمة العمومية، حيث لا أثر ملموس للدعم الحكومي، ولا انعكاس للإعفاءات الجمركية على الأسعار، ولا مساءلة حقيقية للجهات التي تفرض منطقها فوق القانون.

تحقيقات غائبة… وأسواق تُدبّر من الظل

أصوات مدنية، أبرزها رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين بطنجة، طالبت بفتح تحقيق مستقل في شبهات تلاعب قد تكون وراء هذا الاختلال، منها إتلاف مُتعمَّد لأمهات الدجاج البيّاض لخلق نقص اصطناعي في العرض، وهي ممارسة متداولة في كواليس المهنيين، تُفسَّر بكونها وسيلة لرفع الأسعار بطريقة مضمونة بلا مسؤولية.

وفي وقت تتحدث فيه بعض التعاونيات عن اضطراب الدورة الإنتاجية، يؤكد المستهلكون أن هذا التفسير لا يفسر شيئًا: كيف ينخفض ثمن العلف دوليًا، وتظل البيضة في المغرب رهينة “فوق السوق”؟

بين السياسة الغذائية والتدبير المحابي… ثمن البيض يفضح الجميع

ما نعيشه اليوم ليس أزمة بيض… بل نموذج مصغّر لانهيار آلية العدالة الغذائية في بلد يرفع شعار “السيادة الغذائية” ويُراكم أزمات التموين واحدة تلو الأخرى.
حين تُصبح البيضة “سلعة استثنائية” في سوق مُحتكر، ويُترك الفقير ليُفكّر إن كان سيشتريها أو يستغني عنها، فاعلم أن الخلل لم يعد اقتصادياً فقط، بل أخلاقياً كذلك.

فمن يُدافع عن حق الفقراء في البيضة؟
ومن يُراقب فراقشية السوق الذين باتوا أقوى من رقابة الحكومة نفسها؟
وأين هو “الذكاء الفلاحي” الذي لا يشتغل إلا على الورق والعروض التقديمية؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version