رغم الزخم الخطابي الذي يرافق الحديث عن “نظام المقاول الذاتي” في الخطط الحكومية، لا تزال الهوة واسعة بين التصورات التي تُعرض في قبة البرلمان، والواقع المعقّد الذي يعيشه آلاف الشباب المغاربة الذين راهنوا على هذا النظام كمخرج من البطالة وهشاشة الشغل.
في هذا السياق، استعرض وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، معطيات مفصلة بشأن الإجراءات التي اتخذتها وزارته لمعالجة تراجع عدد المنخرطين في نظام المقاول الذاتي، وذلك في رده على سؤال كتابي للنائب إدريس السنتيسي.
ورغم اعتراف الوزير بوجود عراقيل مؤسسية وتقنية تعيق تطور هذا النظام، إلا أن التصور الذي عرضه يُحيل، في مجمله، إلى مقاربة تقنية أكثر منها اجتماعية، متغافلاً عن جوهر المعضلة: نظام يُحمِّل الفرد مسؤولية فشلٍ بنيوي في مواكبة ريادة الأعمال.
معيقات بالجملة… ووعود مؤجلة
أبرز ما كشفت عنه المعطيات الوزارية هو أن نظام المقاول الذاتي لا يعاني من خلل تنظيمي فقط، بل من أزمة ثقة متبادلة بين الشباب والإدارة.
فقد أشار السكوري إلى أن ضعف التواصل الرسمي والتحسيس الكافي يدفع العديد من المستفيدين إلى الانسحاب الطوعي من النظام، خوفًا من التزامات ضريبية وغرامات غير واضحة المعالم، أو عدم فهمهم الكامل لما يترتب عن انخراطهم.
كما أن طول مدة التسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وفرض الأداء المسبق قبل التحقق من الأهلية، إلى جانب بطء النظام المعلوماتي، كلها عوامل تحول التجربة من أمل إلى عبء.
والأدهى، أن بعض الشباب الذين تراكمت عليهم مستحقات مالية، لم يعودوا قادرين حتى على التشطيب من النظام دون أداء تلك المبالغ، مما يحوّل الانخراط في “المقاول الذاتي” إلى فخ قانوني ومالي بدل أن يكون بابًا للتمكين الاقتصادي.
مقاربة تقنية لمشكل اجتماعي
وفي خضم كل هذا، تستمر الوزارة في تقديم إجراءات جزئية، مثل تكوين لجان تقنية، أو عقد اتفاقيات مؤسساتية، بينما يُنتظر منها إعادة النظر الجذري في فلسفة النظام برمّته.
فالمقاول الذاتي، بحسب ما يُروج له رسميًا، هو رافعة لدمج الاقتصاد غير المهيكل، ومجال لتفجير طاقات الشباب، غير أن الواقع يكشف عن مسار معقد مليء بالمتاهات البيروقراطية، والعراقيل الجبائية، ونقص التكوين والمواكبة.
ولا تزال التغطية الاجتماعية نفسها، رغم رمزيتها، تشكل هاجسًا كبيرًا، بسبب غياب المعلومة الدقيقة، وضعف الوساطة المؤسساتية، وفقدان الثقة في استمرارية الدعم.
خاتمة: حين يُطلب من الهش أن يُقاوم وحده
يبدو جليًا أن الإشكال لم يكن يومًا في قلة المبادرات، بل في غياب الإرادة السياسية لتجسيدها على أرض الواقع. فكم من برنامج طموح أُجهض في بدايته، ليس بفعل مقاومة المجتمع، بل بفعل الارتباك في التنفيذ، والارتجال في المواكبة، والتسرع في تسويق النتائج.
ولعل ما يحتاجه الشباب المغربي اليوم ليس مزيدًا من الخطابات، بل بيئة قانونية ومؤسساتية حاضنة، ومواكبة حقيقية لا تنتهي عند لحظة التسجيل في بوابة إلكترونية، بل تبدأ من طرح السؤال الجوهري: من يؤمن بهذا الشاب قبل أن يُطالب بإيمانه بالمبادرة؟