قرار إنهاء عقود جميع العاملين المكلفين بخدمة تعبئة بطائق “جواز”، ابتداءً من نهاية غشت الجاري، كشف عن ثغرات في طريقة تدبير مرفق الطرق السيارة، لكن جوهر الإشكال لا يكمن في القرار نفسه بقدر ما يرتبط بمستوى المتابعة والمساءلة من قبل الجهات المسؤولة عن السياسات العمومية في هذا القطاع.

المعطيات التي أوردتها جريدة العمق المغربي تشير إلى أن هؤلاء العاملين ظلوا يشتغلون بنظام مؤقت ودون تغطية اجتماعية، وهو وضع معروف لدى السلطات المختصة منذ أشهر، ومع ذلك لم يُتخذ أي إجراء لضمان استقرارهم المهني أو إدماجهم في صيغ تشغيل أكثر أماناً.

الأمر هنا لا يتعلق فقط بإجراء إداري من طرف الشركة، بل بغياب رؤية من المسؤولين لضمان شروط العمل اللائق في المرافق التي تقدم خدمات عامة.

كما أن مراجعة سعر بطاقة “جواز” من 50 إلى 80 درهماً، دون رصيد أولي، وما رافقها من تقليص للممرات التقليدية، تمت في ظل صمت رسمي من الجهات المفروض فيها التحقق من مدى احترام هذه القرارات لمبادئ التوازن بين تحديث الخدمة وحماية المستهلك. فالمسألة لا تتعلق بتقنية الأداء فقط، بل بحق المواطن في بدائل عادلة وخيارات متكافئة.

التقارير البرلمانية، ومنها المهمة الاستطلاعية المؤقتة، سجلت معطيات واضحة حول تراجع عدد الموظفين الرسميين، وتزايد الاعتماد على عمال المناولة، إضافة إلى ملاحظات تخص السلامة وصيانة البنية التحتية.

لكن غياب تفعيل توصيات هذه التقارير، أو ترجمتها إلى سياسات عملية، يبقى مسؤولية مباشرة للسلطات التي تملك صلاحية المتابعة والتقويم.

الطرق السيارة ركيزة أساسية في الربط بين جهات المملكة، واستدامتها وجودتها ليست رهينة بقرارات شركات التسيير فقط، بل مرهونة بإرادة سياسية واضحة لدى المسؤولين العموميين لضمان أن تبقى هذه الشبكة في خدمة المواطن أولاً، باعتباره الممول الأول لها من خلال الضرائب ورسوم الاستعمال.

إن مساءلة السياسات العمومية في هذا المجال، قبل مساءلة تفاصيل التسيير، هي المدخل الحقيقي لتصحيح الاختلالات، وضمان أن تكون الطرق السيارة أداة تنمية وعدالة، لا مجالاً لفرض الأمر الواقع على مستعمليها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version