تحركات غير مألوفة لعدد من المنتخبين المحليين وضعت وزارة الداخلية في حالة يقظة، بعد أن رصدت تقارير ميدانية صادرة عن أقسام “الشؤون الداخلية” بالعمالات قيام هؤلاء بجلب كميات من الزفت من مقاولات تعمل في تهيئة الطرق والتجزئات، لتوجيهها نحو ترقيع الحفر في أزقة وشوارع محددة داخل دوائرهم الانتخابية. مشهد يشي بأن موسم 2026 قد بدأ مبكرًا على أرضية الأسفلت.
مصادر إعلامية أوضحت أن هذه الأشغال الاستثنائية ركزت على مناطق تُصنَّف كخزانات انتخابية، بينما تُركت أحياء أخرى تعاني الإهمال، في تمييز يطرح أسئلة حول عدالة توزيع الموارد.
الأخطر أن عمليات التزود تمت، في عدد من الحالات، باستخدام شاحنات وآليات جماعية، من دون سند قانوني واضح أو أوامر بالخدمة، ما يحوّل المال العام إلى أداة توظيف انتخابي مغلَّف بشعار الصيانة.
التقارير نفسها كشفت عن نية الإدارة المركزية فتح افتحاص مالي وتقني لصفقات وطلبات عروض مرتبطة بتهيئة الطرق، بعد شكايات من مقاولات أشغال تحدثت عن ضغوط مورست عليها لتوفير مواد وأطقم عمل خارج المساطر القانونية، وبشكل يخدم أجندات محلية ضيقة.
وتبرز حالة إقليم برشيد كنموذج للفوضى، حيث أعيدت برمجة مقاطع طرقية سبق أن خضعت لصفقات عمومية في عهد المجالس السابقة وصُرفت عليها ملايين الدراهم، ليُزال الزفت الجديد ويُستبدل بآخر، في دورة عبثية تستنزف الميزانيات من دون مبرر موضوعي أو فني.
كما لم تسلم الصفقات القانونية من العيوب، إذ رُصد تساهل في احتساب المساحات المنجزة مقارنة بما هو منصوص عليه في دفاتر التحملات، إضافة إلى التلاعب في نوعية المواد، خاصة الزليج المخصص للأرصفة الذي لم يصمد أمام حركة المرور أو التساقطات المطرية.
الأولوية بدت واضحة في اتجاه معاقل انتخابية لرؤساء جماعات، حيث تسير الأشغال بوتيرة متسارعة، بينما تبقى أحياء ومناطق أخرى خارج رادار الإصلاح، وبعض الساحات العمومية عالقة في منتصف الأشغال. وهو توزيع غير متوازن يعكس غياب رؤية استراتيجية للتدبير المحلي، وتغلّب منطق المكاسب السياسية على منطق الخدمة العمومية.
الخلل هنا مزدوج: استخدام الأشغال العمومية كأداة انتخابية، وغياب مراقبة صارمة تضمن احترام المعايير القانونية والتقنية. معالجة هذا الوضع لن تتحقق بمجرد لجان افتحاص، بل تحتاج إلى إصلاح جذري في ثقافة تدبير الشأن المحلي، حتى لا تبقى الحفر تُرقّع على مقاس الحملات، بينما تتسع الفجوة بين المواطن ووعود التنمية.