لم يتبق على الانتخابات سوى أيام معدودة، ومع ذلك، ما زالت القدرة الشرائية للمغاربة تواصل الهبوط في مسار مقلق، بينما التحالف الحكومي الثلاثي يختار مواجهة هذا الواقع بخطاب إحصائي ولغة بلاغية تُنشر على الشاشات وصفحات الفيسبوك، وكأن الأرقام قادرة على إقناع الناخب حين يدخل المعزل الانتخابي، أو على تخفيض أسعار السوق بمجرد نشرها في بلاغ رسمي.

المندوبية السامية للتخطيط، في مذكرتها الإخبارية بتاريخ 20 يوليوز 2025، لم تترك مجالًا للتجميل؛ 8.7% فقط من الأسر تتوقع قدرتها على الادخار خلال السنة المقبلة، و78.9% ترى أن أسعار المواد الغذائية ستواصل الصعود، فيما مؤشرات الثقة تهاوت إلى مستويات سلبية غير مسبوقة — ناقص 82.6 نقطة في الادخار وناقص 76.6 نقطة في توقعات الأسعار.

ورغم هذه الصورة القاتمة، يصرّ التحالف الثلاثي على الاكتفاء بانتقاء ما يناسبه من المؤشرات، وتحويلها إلى ملصقات إنفوغرافيك و”بوستات” دعائية، تُعرض بمهارة على الفيسبوك، بينما الأرقام السالبة تُركن في زاوية الظل. نصف الحقيقة يسطع على المنصات، والنصف الآخر يثقل جيوب المواطنين في الأسواق.

هذا النهج الاتصالي قد يصنع وهجًا لحظيًا على الشاشات، لكنه لا يصنع ثقة تدوم في الشارع. فالناخب الذي يستمع للأرقام في الحملة الانتخابية، هو نفسه الذي يدفع ثمن الخبز والزيت والخضر كل يوم، ويقارن بين ما يسمعه في المنصات وما يعيشه في السوق. هنا تحديدًا، تسقط لغة الجداول أمام منطق الحياة اليومية.

البرلمانية فاطمة الزهراء باتا، عن حزب العدالة والتنمية، وضعت هذا التناقض تحت المجهر في سؤالها الشفوي لوزيرة الاقتصاد والمالية، مطالبة بخطة اقتصادية متكاملة لضبط الأسعار ومحاربة المضاربات وتشجيع الإنتاج الوطني. لكن الردود الحكومية، حتى اللحظة، بقيت في دائرة التصريحات المطمئنة التي تصلح للنشر، أكثر مما تصلح للتنفيذ.

إن صناديق الاقتراع لا تصوّت على الجداول والإحصاءات، بل على ما يعيشه الناس في بيوتهم وأسواقهم. والأسواق، بدورها، لا تقرأ البلاغات الحكومية، بل تتحدث بلغة العرض والطلب، وحركة الأسعار، وقدرة المواطن على الشراء. وبين لغة الحكومة ولغة السوق، تقف الانتخابات القادمة كاختبار حاسم: إمّا أن يدرك التحالف الثلاثي أن الأرقام لا تحمي من التصويت العقابي، أو أن يواصل الرهان على الصورة، حتى يكتشف أن الواقع هو الذي يملك الكلمة الأخيرة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version