قفز المغرب، في ظرف عام واحد، من المرتبة السابعة إلى الرابعة عالميًا في تصدير التوت الأزرق، ليزاحم أكبر المنتجين في السوق الدولية ويصبح ضمن أبرز خمسة مصدرين لهذه الفاكهة ذات القيمة العالية.

وسائل الإعلام تلقفت الخبر بلهجة احتفالية، وقدّمته كدليل على “النهضة الفلاحية” التي يعرفها البلد. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما جدوى هذه القفزات التصديرية إذا ظل المواطن المغربي يراوح مكانه في مؤشرات الصحة والتعليم وجودة الحياة؟

الواقع أن ترتيب المغرب في القطاعات الاجتماعية الحساسة لا يواكب هذا “التقدم الزراعي”. ففي التعليم، يحتل المغرب المرتبة 154 من أصل 218 دولة وفق مؤشر التعليم العالمي لعام 2024، وهو ترتيب متأخر يعكس استمرار أزمات بنيوية: ضعف التحصيل الدراسي، ارتفاع نسب الهدر المدرسي، هشاشة البنية التحتية التعليمية، وعدم تكافؤ الفرص بين المدن والقرى.

وفي الصحة، جاء المغرب في المركز السابع إفريقيًا، والـ92 عالميًا حسب مؤشر الرعاية الصحية لنفس السنة، وهي مرتبة تكشف محدودية الاستثمار في القطاع الصحي، واستمرار الفوارق في الولوج إلى الخدمات، فضلًا عن النقص الكبير في الكوادر الطبية والمستشفيات المجهزة.

هذا التناقض بين التقدّم في سلعة تصديرية محدودة الأثر على الحياة اليومية، والتأخر في القطاعات التي تشكل أساس رفاه المواطن، يعكس ظاهرة أعمق يمكن تسميتها بـ”سياسة الإنجازات الانتقائية”.

فالحكومات تميل إلى تسويق النجاحات التي يسهل تحويلها إلى أرقام لامعة وعناوين إعلامية، مثل ترتيب التوت الأزرق أو حجم صادرات الطماطم، في حين تُهمَّش الملفات الثقيلة التي تتطلب إصلاحات هيكلية عميقة وتراكمًا طويل الأمد، كإصلاح التعليم، وتعزيز الصحة، وضبط أسعار المعيشة.

وإذا أمعنّا النظر، سنجد أن هذا النمو الفلاحي الموجه للتصدير يخدم بالدرجة الأولى الأسواق الأوروبية، حيث يُباع التوت المغربي بأسعار عالية، بينما لا يعرف معظم المغاربة طعمه إلا من خلال الصور والإعلانات. إنها معادلة غير متوازنة: موارد مائية وزراعية محلية تُستنزف لإرضاء طلب خارجي، في وقت يعيش فيه الداخل على وقع جفاف متكرر، وارتفاع أسعار الخضر والفواكه في الأسواق المحلية.

إضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال البُعد الاقتصادي الأوسع لهذه السياسة؛ إذ إن الاعتماد المفرط على قطاعات تصديرية ضيقة يجعل الاقتصاد هشًّا أمام تقلبات الأسعار والطلب في الأسواق العالمية.

أما على المستوى الاجتماعي، فإن الأرباح الكبيرة التي تجنيها الشركات المصدرة لا تُترجم بالضرورة إلى تحسن في الأجور أو خلق فرص عمل كافية للشباب، بل تترك الفوارق الاجتماعية على حالها، وربما تزيدها اتساعًا.

إن قوة أي دولة لا تُقاس فقط بقدرتها على منافسة بيرو أو تشيلي في أسواق الفاكهة، بل بقدرتها على منافسة الدول الصاعدة في جودة مدارسها ومستشفياتها وطرقها ومياهها وخدماتها.

وإذا كان المغرب قد نجح في أن يضع نفسه في المركز الرابع عالميًا في تصدير التوت الأزرق، فإن الإنجاز الأكبر – والأصعب – سيكون أن يضع مواطنيه في الصفوف الأولى من حيث التعليم، والصحة، والعيش الكريم. عندها فقط يمكن أن تكون الرتب مؤشرا على قوة حقيقية، لا على صورة انتقائية براقة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version