لا يحتاج الوطن إلى ازدحام في الألوان الحزبية، بل إلى ندرة في العدد ووفرة في العمل. هذه الخلاصة المرة تؤكدها دراسة استشرافية صادرة عن مركز المؤشر للدراسات والأبحاث، تكشف واقعاً حزبياً مثقلاً بعشرات الكيانات التي لا تُرى إلا عند اقتراب صناديق الاقتراع، ثم تعود إلى سباتها الطويل، وكأن السياسة موسم عابر يُموَّل بسخاء من المال العام.

الدراسة، التي جاءت تحت عنوان “من الانحباس السياسي إلى سيناريوهات ما بعد 2026″، تحذر من أن هذا النمط من التنظيمات الصورية يفرغ التعددية من جوهرها، ويحوّل العمل السياسي إلى وظيفة مؤقتة براتب دائم، بلا أثر ملموس على حياة الناس.

الأدهى، كما أوردت مواقع إعلامية، أن أغلبية من البرلمانيين الحاليين يواجهون متابعات قضائية في قضايا تبديد المال العام، واستغلال النفوذ، والفساد الإداري.

مؤسسة منتخبة يُفترض أن تجسد النزاهة والرقابة، تجد نفسها، في حالات كثيرة، جزءاً من ملفات تقوّض الثقة الشعبية، بينما يلتزم عدد من الأحزاب صمتاً يشبه التواطؤ أو القبول الضمني باستمرار نفس المنظومة التي تُعيد إنتاج الوجوه والأساليب ذاتها.

التجارب المقارنة تُبرز حجم الهوة. ففي النرويج وسنغافورة، على سبيل المثال، لا يتجاوز عدد الأحزاب المؤثرة أصابع اليد، لكنها مترسخة في المجتمع، تشتبك مع قضاياه يومياً، وتفرز نخباً مؤهلة، وتدير الشأن العام بكفاءة وشفافية. هناك، المنصب تكليف وطني لا وسيلة للإثراء، والسياسة التزام دائم لا موسم انتخابي.

أما في المغرب، فإن استمرار تمويل هذا الزحام الحزبي بلا مشروع وبدون مردودية، في ظل أزمة ثقة متصاعدة، يعني تكريس واقع السياسة الموسمية بأجر عمومي.

إصلاح هذا الوضع لم يعد ترفاً، بل ضرورة وطنية، تبدأ بربط التمويل العمومي بالمردودية السياسية والاجتماعية، وتشديد شروط الترشيح، وتصفية الخريطة من الكيانات الورقية التي لا تنتج سوى خطابات موسمية وأعباء مالية إضافية على الخزينة.

فالسياسة، في جوهرها، عقد شرف مع الوطن والمواطن، لا وسيلة للإثراء أو مظلة للإفلات من العقاب. وحين تتحول إلى موسم مؤقت، تُهدر فيه الموارد وتُبدد فيه الثقة، يصبح السؤال الأخلاقي والسياسي معاً: هل نملك شجاعة إعادة البناء، أم سنواصل دفع فاتورة الصمت؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version