الباز عبدلإله

لم تعد الأرقام وحدها كافية لقياس فداحة ما يجري داخل بعض المؤسسات العمومية، فها هي الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، التي شُيّدت فلسفتها على إنصاف الفئات الهشة، تتحول إلى ماكينة لصرف الملايين في زمن الشح، بينما تنتظر آلاف الأسر المغربية درهمًا يسد رمق الكرامة.

ففي خطوة جريئة، كشفت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، عن معطيات صادمة حول حجم الصفقات التي أبرمتها الوكالة خلال أربعة أشهر فقط (من أبريل إلى غشت 2025)، والتي بلغت 40,94 مليون درهم، أي ما يناهز أربعة ملايير سنتيم، وهي أرقام تكفي ـ لو أُحسِن تدبيرها ـ لمنح 80 ألف أسرة دعماً مباشراً بقيمة 500 درهم.

قائمة الصفقات، التي تضم 12 عقدًا موزعًا بين خدمات استضافة، ودراسات، وتطوير رقمي، وتهيئة، وكراء سيارات، تُظهر انفصالاً صريحًا عن الأولويات الاجتماعية التي خُلقت الوكالة من أجلها.

فما فائدة كراء السيارات في زمن تقشف معلن؟ وما جدوى صرف الملايين على “دراسات” لا تعكسها نتائج واضحة على الأرض؟ ثم من يراقب تطابق الأثمان المعتمدة مع الأسعار السوقية؟ ومن يضبط علاقة بعض الشركات بالفروع الحزبية؟

المقلق أكثر، أن النائبة نبّهت إلى صفقة مرتقبة لإنتاج فيلم مؤسساتي، في توقيت سياسي مشحون، ما يثير شبهة استغلال معطيات الوكالة لأغراض انتخابية ـ وهي سابقة خطيرة إن صحت ـ تطرح علامات استفهام حول التداخل المقلق بين العمل الإداري والمطامع السياسية.

أين وزارة الاقتصاد والمالية من هذا الإنفاق المتدفق؟ أين هي المفتشية العامة؟ بل أين مجلس النواب نفسه من تفعيل دوره الرقابي خارج أسوار الأسئلة الكتابية؟ وهل تنتظر الحكومة بلوغ الانفجار الاجتماعي لتدرك أن الدعم الاجتماعي لا يُؤدى من نوافذ العقود، بل من أبواب العدالة الاجتماعية؟

الدرس اليوم واضح:
حين تغيب الشفافية، يصبح المال العام مشروعاً مفتوحاً على كل التأويلات.
وحين يُفكّر الفقراء في حبة دقيق… تُفكّر الإدارة في إنتاج فيلم!

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version