بينما تتباهى وزارة السياحة، على لسان رئيستها فاطمة الزهراء عمور، بما تسميه “القفزة النوعية” في أرقام الوافدين إلى المملكة، وتغرق المنصات الرسمية بمنشورات التمجيد والاحتفاء، جاءت واقعة تغازوت لتكشف حجم الهوة بين الخطاب والواقع، ولتؤكد أن الاستثمار في الصورة لا يعوّض غياب الجودة، وأن السائح الذي يُهان على عتبة فندق، لن تجذبه مؤتمرات ولا معارض دولية.

حسب مصادر إعلامية فرنسية، تحولت عطلة أكثر من ثمانين سائحًا فرنسيًا إلى تجربة مريرة، بعدما وجدوا أنفسهم محرومين من الإقامة بفندق “وايت بيتش” المصنف خمس نجوم، رغم قيامهم بالحجز المسبق ودفعهم مبالغ تُناهز 1000 يورو للفرد، مقابل إقامة بصيغة “شامل كليًا – للبالغين فقط”.

وصل السياح إلى مطار أكادير المسيرة في 31 يوليوز، ليُفاجَؤوا بإشعار مفاده أن الفندق لا يتوفر على غرف شاغرة، ويقترَح عليهم، بكل بساطة، الانتقال إلى فندق آخر من فئة أربع نجوم داخل مدينة أكادير.

لكن الصدمة كانت مضاعفة، بعدما تبيّن أن الفندق البديل لا يحترم لا الصيغة المتفق عليها، ولا المعايير المعروضة: أجواء عائلية صاخبة، رطوبة، أشغال بناء، وغياب تام لأي شاطئ خاص.

رغم محاولة الوكالة الفرنسية تبرير الحادثة بأنها “خلل استثنائي”، ورغم إشارة الفندق إلى أن الوكالة لا تتوفر سوى على عدد محدود من الغرف، إلا أن تكرار الحادثة مع مجموعات أخرى من السياح الفرنسيين، قبل أيام فقط من الواقعة، يدفع نحو طرح السؤال الأعمق: هل نحن فعلاً في بلد يُراهن على السياحة كقاطرة استراتيجية، أم أننا ما زلنا نعاني من عشوائية قاتلة في أدق تفاصيل الاستقبال والخدمة؟

ففي ظل هذا التراكم المؤسف، تصبح الأزمة بنيوية وليست ظرفية، ويصبح الحديث عن “حسن الضيافة المغربي” ضربًا من التنميق الترويجي، لا سند له على الأرض، ما دام سائحٌ أوروبي، في موسم الذروة، يجد نفسه دون غرفة رغم الدفع المسبق.

صورة بلد تُهدَر بسبب غرفة

ما يغيب عن ذهن بعض مسؤولي الفنادق، وبعض مسؤولي الوزارة معًا، هو أن سمعة الوطن اليوم لا تُبنى بالبلاغات، بل تُصنع من لحظة الاستقبال، ومن أدق تفاصيل الخدمة. وفي زمن تتناقل فيه المنصات الرقمية التجارب الفردية بسرعة البرق، فإن ضحية واحدة تكفي لإحداث تصدّع في صورة بلد بكامله.

فالمملكة التي تطمح إلى تنظيم تظاهرات كروية ضخمة، وجلب ملايين السياح، مطالَبة أولاً بضمان شروط الكرامة لنزلاء غرفها الحالية، قبل الترويج لغرف مستقبلية في كاتالوج المونديال.

أين الوزارة؟ وأين المساءلة؟

من غير المقبول أن تمر مثل هذه الحوادث دون موقف رسمي. فوزيرة السياحة التي تسارع إلى التدوين كلما ارتفع عدد الزوار، مطالَبة اليوم بتوضيح سياسي وإداري لما جرى.

هل فُتح تحقيق؟ هل تواصلت الوزارة مع المتضررين؟ هل تم توقيف التعامل مع الفندق إلى حين تسوية الملف؟ أم أن السياسة السياحية تُدار بعقلية المنشورات الفايسبوكية، لا بمسؤولية الدولة؟

إن السياحة ليست مجرد رُقُم تتصاعد أو تُجمَّع على لوحات إحصائية، بل هي تجربة حية يرويها السائح، ويحمِلها معه حين يعود إلى بلده. وإن أخطر ما يمكن أن تواجهه أي دولة تراهن على هذا القطاع، هو أن يتحول سائح إلى خصم، وأن يصبح تقييمه جرحًا مفتوحًا في جسد الاقتصاد.

وإذا كانت واقعة “وايت بيتش” قد وُصفت بـ”الاستثنائية”، فإن ما هو استثنائي فعلًا هو صمت الوزارة، واستمرار الترويج للقطاع كأنه خالٍ من الأعطاب، في وقت لا يزال فيه السائح يُعامل كمستهلك مؤقت لا كزائر مرحَّب به.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version