لم يكن الخروج الإعلامي لعبد اللطيف وهبي، وزير العدل، مجرّد ردٍّ على ما سُمِّي بـ”تسريبات جبروت”، بل كان تمريناً سياسياً متقدماً في تحويل الإحراج إلى سردية أسرية محكومة بثقافة “الكد والسعاية”.
لكن، ورغم ما تضمّنته رواية الوزير من تبريرات وجدانية، فإنّ الأهم لم يُقَل بعد، أو لنقل: لم يُجب عنه أحد.
فإلى حدود كتابة هذه السطور، لا تزال وزارة الاقتصاد والمالية، ومعها مديرية الضرائب، تلتزم صمتاً محيّراً أمام الجدل القانوني والجبائي الذي أثاره تقييم عقار فاخر وسط العاصمة الرباط بمليون درهم فقط، في إطار هبة “زوجية” معفاة من الضرائب على الأرباح.
السؤال لا يتعلق بوزير أو زوجته، بل بجوهر النظام الجبائي نفسه: هل يجوز لأي مغربي، بمن فيهم المواطن البسيط، أن يقيّم عقاره بقيمة رمزية، ويهبه لأحد أقاربه، دون أن تطرق إدارة الضرائب بابه؟ وإذا كان الجواب نعم، فليُفصح المسؤولون عن ذلك، وليتساوَ الجميع.
وإن كان الجواب لا، فالصمت هنا أقرب إلى التواطؤ الصامت منه إلى الحياد الإداري.
ما يغيب عن الأذهان أن القانون المغربي واضح في هذا الباب: رسوم تسجيل الهبات تُحتسب بناءً على القيمة الحقيقية للعقار، أو على الأقل القيمة المرجعية التي تحددها الإدارة ذاتها حسب الحي والمنطقة. ومع ذلك، لم نرَ أي موقف رسمي من الجهة المخوّلة، ولا حتى توضيحاً للرأي العام حول مدى مطابقة الهبة المعنية لمقتضيات قانون التسجيل والجبايات.
فهل تخشى وزارة المالية الاصطدام بأحد أركان الحكومة؟ أم أن الأمر يدخل في خانة “الاستثناءات الصامتة” التي لا تتاح إلا لأصحاب النفوذ والسلطة؟ وهل يمكن لهذا الصمت أن يُقرأ على أنه إشارة ضمنية إلى شرعنة ممارسة قابلة للتكرار في حالات مماثلة؟
في دولة تحرص، في خطابها الرسمي، على تكريس العدالة الجبائية وربط المسؤولية بالمحاسبة، لا يبدو منطقياً أن تتحول الهبة إلى أداة أنيقة لإعادة ترتيب الثروة بعيداً عن أعين الضرائب، بينما يُطارد مواطنون عاديون على فواتير ماء وكهرباء لم تُسدَّد.
هذا الغموض لا يخدم أحداً. بل يفتح باب التأويلات والتشكيك، ويعمّق فجوة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، خصوصاً حين يتعلق الأمر بقطاع حساس كالإدارة الجبائية، التي يُفترض فيها أن تكون حَكَماً لا طرفاً.
فإذا كان وزير العدل لم يخالف القانون فعلاً، فلتخرج وزارة المالية لتؤكّد ذلك، ولتشرح للمغاربة كيف يمكنهم التصرف بنفس الطريقة في ممتلكاتهم. أما إذا ثبت العكس، فالمطلوب ليس فقط التوضيح، بل التفعيل الصارم للمساطر المعتمدة، صوناً لمبدأ المساواة أمام القانون.
في الانتظار، تبقى الهبة هنا، لا مجرد إحسان بين زوج وزوجة، بل “قضية دولة” تمتحن صلابة المنظومة الجبائية ومصداقية مؤسسات الرقابة.