في سابقة أكاديمية تستحق الإشادة، نجحت جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء في الحفاظ على موقعها ضمن التصنيف العالمي “شنغهاي” لسنة 2025، لتبقى المؤسسة المغربية الوحيدة التي استطاعت حجز مقعد لها بين أفضل ألف جامعة في العالم.

إنجاز يبعث على الاعتزاز، لكنه في الآن ذاته يكشف حجم التحدي الذي يواجه منظومة التعليم العالي ببلادنا.

فوجود جامعة مغربية واحدة فقط في هذا الترتيب، وضمن شريحة 901–1000، لا يمكن اعتباره قفزة نوعية بقدر ما هو ناقوس إنذار.

فإذا كان المقياس الأكاديمي الصارم يعتمد على البحث العلمي، جودة المنشورات، أثر الباحثين، وعدد الجوائز الدولية، فإن السؤال يصبح: أين هي باقي الجامعات المغربية من هذا المسار؟

كشفت نتائج التصنيف عن تقدم الجامعة في مجال العلوم البيولوجية البشرية إلى الرتبة 301–400 عالميًا، وهو إنجاز علمي يُظهر أن الكفاءة حين تُستثمر بجدية، تعطي ثمارها.

لكن المفارقة أن الحكومة، التي لا تكاد تخلو بلاغاتها من الحديث عن “الكفاءة” و”الريادة” و”النجاعة”، تبدو غائبة عن ترجمة هذا الخطاب إلى سياسات ملموسة. فالكفاءة لا تقاس بالخطب، بل بالمراتب التي تحصدها مؤسسات الدولة في المحافل الدولية.

إن إخفاق أغلب الجامعات المغربية في ولوج هذا التصنيف يفضح ضعف الاستثمار في البحث العلمي، وغياب رؤية استراتيجية تجعل الجامعة رافعة حقيقية للتنمية.

وبينما تتباهى الحكومات المتعاقبة بمشاريع ظرفية وشعارات براقة، يظل الطالب المغربي والأستاذ الباحث يواجهان واقعا مثقلا بنقص التمويل، غياب التحفيز، وانعدام الاستقلالية الأكاديمية.

إن ما حققته جامعة الحسن الثاني يثبت أن الإمكان موجود، وأن الرأسمال البشري المغربي قادر على منافسة نظرائه عالميا إذا أُتيحت له الشروط.

لكن ما دامت الدولة تتعامل مع الجامعة كملحق إداري، وتستنزف طاقاتها في التسيير البيروقراطي بدل الاستثمار في البحث، فإن إنجاز اليوم سيظل مجرد استثناء، لا قاعدة.

ولعل الرسالة الأبلغ التي يمكن استخلاصها هي أن الرهان على الجامعة هو الرهان على المستقبل. فإذا أرادت الحكومة أن تبرهن حقًا على “كفاءتها”، فعليها أن تجعل من مراتب جامعاتنا في التصنيفات الدولية معيارًا للمحاسبة، لا أن تكتفي بترديد البلاغات التي لا تُغني عن واقع هش، ولا تُخرج البلد من دائرة التخلف العلمي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version