لم تعد أزمة التعليم في المغرب قضية مناهج تتبدّل بتبدّل الوزراء، بل صارت مرآةً تكشف عمق الخلل في أولويات الدولة.
فحين يخرج وزير التربية الوطنية ليعلن، أمام ممثلي الأمة، أن أربعة آلاف مؤسسة تعليمية في الجبال والقرى ستُربط بالماء والمرافق الصحية قبل نهاية السنة، يبدو الخبر في ظاهره بشارة، لكنه في جوهره اعترافٌ متأخرٌ بأن آلاف التلاميذ ما زالوا يدرسون بلا ماءٍ ولا مرحاضٍ ولا كرامة.
كشفت جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، يوم الإثنين، حجم الهوة بين الخطاب الإصلاحي والواقع. الوزير نفسه أكّد أن “تأهيل المدارس لا يمكن أن يتم دفعة واحدة”، لأن الأشغال تُنجز فقط خلال شهري يونيو وغشت.
قالها بنبرةٍ تبريريةٍ كأن التعليم مشروعٌ موسميٌّ يخضع لإيقاع الصيف، لا لحقٍّ دستوريٍّ في بيئةٍ مدرسيةٍ سليمة.
ورغم إقراره بأن الوزارة تؤهّل سنويًا نحو 2500 مؤسسة بتكلفة تناهز مليارًا وستمئة مليون درهم، يظل السؤال الأخلاقي والسياسي معلّقًا:
كيف يُعقل أن يظل تلميذ مغربي في القرن الحادي والعشرين يحمل قنينة ماءٍ إلى المدرسة، بينما تُصرف المليارات في حملاتٍ دعائيةٍ تحت شعارات “مدارس الريادة” و“خارطة الطريق”؟
برلمانيون من الأغلبية والمعارضة اتفقوا، نادرًا، على شيءٍ واحد: أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من المرافق الأساسية لا من البلاغات.
النائب الاستقلالي حسن البهي قالها بوضوح: “كيف يُعقل أن توجد مؤسسات تضم مئات التلاميذ ولا تتوفر على ماءٍ أو كهرباء؟”، فيما نبّه آخرون إلى أن بعض الجماعات لا تملك حتى الأوعية العقارية الضرورية لبناء مدارس جديدة، رغم توفر الاعتمادات المالية.
وراء كل هذه الأرقام تكمن مفارقةٌ مؤلمة:
الحكومة تتحدث عن “الإنجاز” لأنها رمّمت آلاف المؤسسات، لكنّ ما لم يُنجز بعد هو العدالة التربوية التي تجعل المدرسة في الجبل تساوي المدرسة في المدينة.
أن تفتخر الدولة بتأهيل مدارس لم تُرمَّم منذ عشرين سنة، فذلك يعني أن “الإصلاح” ما زال يلهث خلف الماضي بدل أن يصنع المستقبل.
في النهاية، ليست المشكلة في أن بعض المدارس بلا ماء، بل في أن العطش صار سياسةً عمومية، تُدار بأرقامٍ باردةٍ في قاعاتٍ مكيفة، فيما أطفال القرى يكتبون أحلامهم على سبوراتٍ بلا نوافذ… وينتظرون أن تفتح الدولة صنبور الكرامة قبل صنبور الماء.
