Abdelouafi Laftit’s New Democracy: 200 Signatures, 500 000 Dirhams, and a Lot of Conditions
عبد الوافي لفتيت لم يكن هذه المرة يتحدث كوزير للداخلية فقط، بل كمُهندسٍ لتوازنٍ جديد بين “التشبيب” و“التحكّم”.
خلال تقديمه مشاريع القوانين الجديدة أمام لجنة الداخلية بمجلس النواب يوم الأربعاء 12 نونبر 2025، رسم صورة مثالية للإصلاح الانتخابي، قائلاً إن الهدف هو “تعزيز تمثيلية الشباب والنساء وضمان مشاركة عادلة في الحياة السياسية”، لكنه سارع إلى توضيح أن الدعم المالي المقترح “لن يكون بأي حال من الأحوال شكلاً من أشكال الريع أو الربع المجاني”.
كلامٌ جميل، أنيق في شكله، لكنه يخفي ما هو أعمق:
إذا كان الوزير يريد فعلاً محاربة الريع، فلماذا وُضعت شروط مالية وإدارية شبه مستحيلة أمام الشباب “غير المنتمين” للأحزاب؟
وكيف يمكن أن يصبح الشاب المستقل مؤهلاً للترشح وهو مطالب أولاً بجمع 200 توقيع مصادق عليه من الناخبين، منها 30 في المائة من النساء؟
في بلدٍ يعاني فيه المواطن من صعوبة استخراج وثيقة إدارية واحدة، يبدو جمع 200 توقيع عملية انتخابية مسبقة… قبل الحملة نفسها.
شروط “الاستقلال” المشروطة بالاعتماد
لفتيت قال إن هذا الإجراء يهدف إلى “تشجيع الشباب على الانخراط في الحياة السياسية، سواء كانوا منتمين أو غير منتمين”، لكن النصّ التشريعي نفسه يُغلق الباب أمام “غير المنتمين” عمليًا، لأن الدعم المالي لن يُصرف إلا للوائح حزبية.
الوزير يتحدث عن “تحفيز الشباب”، بينما القانون لا يعترف إلا بمن يترشح في لائحة حزبية منضبطة بشروط التناوب بين الجنسين، والتصديق المالي عبر خبير محاسب.
بكلمات أخرى: الاستقلال مسموح… بشرط التبعية.
دعم مالي أم دعم انتخابي مشروط؟
الوزير شدد على أن الدولة ستتحمل 75% من مصاريف الحملة الانتخابية، في حدود 500 ألف درهم لكل مترشح، وأن المبلغ “سيُصرف فقط بناء على المصاريف الفعلية المؤكدة، لأن المال العمومي يجب أن يُصرف بمسؤولية تامة”.
لكن السؤال هنا: من يقرر ما هي “المصاريف الفعلية”؟
ومن يراقب “الخبير المحاسب” الذي سيُعين من طرف من؟
وهل ستعامل لجنة المراقبة المستقلين بنفس المرونة التي تتعامل بها مع الأحزاب الكبرى؟
الشفافية، في السياق المغربي، كثيراً ما تتحول إلى مصطلح سياسي أنيق يُستخدم لتجميل الإقصاء.
من التمثيلية إلى التمويه
حين يقول الوزير إن الغاية من الإصلاح هي “ضخ دماء جديدة داخل البرلمان وضمان مشاركة أوسع للشباب والنساء وذوي الإعاقة والمغاربة المقيمين بالخارج”، يبدو الخطاب تقدمياً وشاملاً.
لكن في الواقع، لا يفتح الباب إلا للشباب الذين يدخلون السياسة من بوابة الحزب، وليس من بوابة الشارع أو المبادرة الفردية.
لأن كل الآليات الإجرائية (من التمويل إلى الترشح إلى الرقابة) تمر عبر الأحزاب، التي ستتحول إلى الوسيط الإجباري بين المواطن والديمقراطية.
إصلاح انتخابي بمقاس إداري
الخطير في كلام لفتيت ليس في ما قاله، بل في ما لم يقله.
هو يتحدث عن تمكين الشباب، لكن لم يقل لنا كيف سيُمنع تكرار نفس الأسماء التي تتنقل من لائحة إلى أخرى، وكيف سيُضمن أن لا يتحول الدعم المالي إلى ريع انتخابي جديد بغطاء شبابي.
لم يقل أيضاً كيف ستُراقب مصاريف الحملات داخل جماعاتٍ قروية لا يعرف فيها أحد معنى “خبير محاسب”.
الوزير يريد إصلاحاً انتخابياً “مؤسساتياً”، لكنه في الواقع يكرّس التحكم المالي في التمثيلية السياسية.
الوجه الآخر للإصلاح
200 توقيع و500 ألف درهم ليست آليات لتوسيع المشاركة، بل لتقنينها.
هي طريقة أنيقة لقول: “اللي عندو القدرة يدخل السياسة، واللي ما عندوش يبقى مواطن صالح يوم التصويت.”
الشباب الذين أراد لفتيت أن يُنصت إليهم سيجدون أنفسهم أمام امتحانٍ إداري ومالي، أشبه باختبار قبول في شركة عمومية، لا في تجربة ديمقراطية.
والنتيجة واضحة مسبقًا: أحزابٌ ستتجمّل بوجوهٍ شابة، ودولةٌ ستتباهى بأنها فتحت الباب، بينما تركت المفاتيح في جيبها.
الوزير يقول: “الدعم ليس ريعا”،
لكن الواقع يقول: “السياسة صارت امتيازًا للّذين يستطيعون أداء ثمن الديمقراطية.”
الإصلاح الانتخابي الجديد لا يُعيد الثقة في السياسة، بل يُعيد توزيعها… على المقاس.
