The Minister Who Turned Promises into a Festival… and Wrote the Moroccan Artist Out of the Picture
يبدو أن وزارة الثقافة في المغرب تراهن على الكاميرا أكثر مما تراهن على النص، وعلى الإبهار البصري أكثر من الرؤية الفكرية.
ففي حواره الأخير مع موقع “مدار21”، قدّم محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، صورة وردية عن الصناعة السينمائية المغربية، محاولًا رسم مشهدٍ يبدو فيه المغرب كـ”هوليوود شمال إفريقيا”.
غير أن الخطاب الذي يفيض بالأمل يخفي وراءه أسئلة أعمق تتعلق بجدوى هذه السياسات، وبمدى واقعيتها في ظل هشاشة البنية المهنية والاجتماعية لقطاعٍ ظلّ يعيش بين الطموح والانتظار.
الوزير تحدّث بلغة الأرقام والمشاريع الطموحة، مؤكداً أن المغرب أصبح وجهة مفضلة للإنتاجات السينمائية الأجنبية، وأن الاستثمارات تجاوزت المليار درهم سنة 2024، مع مشاريع لبناء استوديوهات جديدة في ورزازات وتنغير والداخلة.
لكن خلف هذه الأرقام يتردّد سؤالٌ أساسي: هل تحوّل المغرب فعلاً إلى مركز إنتاج سينمائي عالمي، أم إلى موقع تصويرٍ جميل يبيع مناظره الطبيعية للأجانب مقابل عائدات ظرفية لا تترك أثرًا بنيويًا على الصناعة الوطنية؟
فورزازات، التي كانت تُسمّى “هوليوود إفريقيا”، مازالت شاهدة على هذه المفارقة: عشرات الأفلام العالمية صُوّرت فوق أرضها، لكن أبناءها يعيشون في بطالة موسمية، وبنيتها التحتية التقنية ما زالت محدودة.
تصوير فيلم عالمي لا يعني بالضرورة بناء صناعة محلية، بل قد يتحول إلى شكل جديد من التبعية الثقافية والاقتصادية تحت شعار التعاون الدولي.
الوزير تحدث أيضًا عن الرقمنة والذكاء الاصطناعي كرافعة مستقبلية للصناعة السينمائية، وهي مقاربة متقدمة في ظاهرها لكنها تبدو بلا عمق حين تتجاهل الإشكالات الحقيقية المرتبطة بالحكامة، وتوزيع الدعم، والشفافية في تدبير الملفات.
فإلى اليوم، لا توجد قاعدة بيانات رسمية توضّح أثر الدعم العمومي على المردودية الفنية والاقتصادية للأفلام، ولا أحد يجيب عن سؤال بسيط: كم من فيلمٍ مدعوم نجح فعلاً في الوصول إلى الجمهور؟
بعيدًا عن لغة الأرقام، يطفو على السطح مشهدٌ إنساني موجع، لفنانين وممثلين أنهكهم الفقر والمرض، يعيشون في صمت على هامش الضوء الذي صنعوه.
مصادر مهنية تؤكد أن الوزير رفض لقاء عدد من الفنانين البارزين الذين طلبوا حواراً مباشراً حول أوضاعهم الاجتماعية، بينما يُفتح الباب على مصراعيه أمام منتجين وممثلين أجانب يُستقبلون في مكتبه بحرارة.
إنها مفارقة مؤلمة وصادمة في آنٍ واحد: أن يجد الفنان المغربي نفسه غريباً في وزارةٍ يفترض أنها وُجدت لحمايته، في حين يُستقبل الأجانب بابتساماتٍ رسمية وعدساتٍ إعلامية.
إنها الصورة التي تختصر التفاوت في الرؤية: وزارة تروّج لانفتاحها الدولي بينما تُدير ظهرها لفنانيها المحليين.
في المقابل، يتحدث الوزير عن مشروع إنشاء 150 قاعة سينمائية جديدة وربطها بالمؤسسات التعليمية في مختلف الجهات، وهي مبادرة تُعيد إلى الأذهان دينامية الثمانينات حين كانت أندية السينما فضاءً للنقاش والتنوير.
لكن الفكرة، رغم رمزيتها، تبدو صعبة التنفيذ في ظل واقعٍ تشهد فيه عشرات القاعات القديمة الإغلاق، ومهرجاناتٌ جهوية تتوقف بسبب نقص الدعم أو غياب المتابعة.
كيف يمكن الحديث عن “إحياء الثقافة السينمائية” في بلدٍ لم يعد فيه جمهور القاعات يثق في المنتوج الوطني؟
أما في ما يخص الإنتاج المحلي، فإن رد الوزير على سؤال “مدار21” حول ضعف الأفلام المغربية لم يتجاوز الإشارة إلى الجوائز التي تُحصد في المهرجانات الدولية.
وهي حجة جميلة لكنها ناقصة.
فالمسألة لا تتعلق بالجوائز بل بالجمهور، إذ إن السينما التي لا تجد من يشاهدها تبقى في خانة المناسبات، مهما حصدت من تصفيق خارجي.
الصناعة السينمائية الحقيقية لا تُبنى بالمهرجانات فقط، بل برؤية اقتصادية واضحة تجعل الفيلم المغربي منتوجاً قابلاً للتداول والاستهلاك لا مجرد واجهة ثقافية رمزية.
وفي ختام الحوار، تحدث بنسعيد عن حلم إنتاج أفلام تاريخية تروي فصولاً من الذاكرة الوطنية، لكنه اعترف ضمنياً بأن الإمكانيات الحالية لا تسمح ببلوغ هذا الهدف، ما يجعل الطموح أقرب إلى الرغبة منه إلى المشروع.
ومع ذلك، يظل الأمل قائماً في شراكات كبرى يمكن أن تنقل السينما المغربية من مرحلة الدعم العمومي إلى مرحلة الصناعة المستقلة القادرة على التصدير والمنافسة.
إن قراءة هادئة لحوار الوزير مع “مدار21” تكشف وجهين متقابلين: وجه رسمي يفيض بالثقة والطموح، ووجه واقعي يشي بأزمة عميقة في الرؤية والتدبير.
فبين وعود الرقمنة وأحلام الاستثمار، تظلّ الأسئلة الكبرى معلقة: من يملك القرار في رسم سياسة السينما؟ ومن يستفيد فعلاً من تحويل المغرب إلى منصة تصوير عالمية؟ والأهم: من يُعيد للفنان المغربي كرامته قبل أن نُحدث له قاعة عرض جديدة؟
في النهاية، قد تكون الكاميرا أداة للتعبير، لكنها في الحالة المغربية أصبحت مرآة تكشف أكثر مما تخفي.
فالسينما، كما قال أحد النقاد، ليست ما نراه على الشاشة، بل ما نعيشه خارجها.
