From Marrakech to Casablanca: Morocco Migrates Within Itself
لم تعد الهجرة في المغرب عبورًا للحدود، بل دورانًا داخلها.
تقريرٌ جديد للمندوبية السامية للتخطيط يرسم خريطةً ديموغرافية تُشبه خريطة الفوارق: مدنٌ تبتلع، وقرى تتلاشى، وبلادٌ تهاجر إلى نفسها.
هكذا يتحوّل “المغرب ذو السرعتين” من مجازٍ سياسي إلى واقعٍ اجتماعي ملموس، تُقاس سرعته ببطء التنمية في جهة، وبازدحام الأمل في جهةٍ أخرى.
كشفت المندوبية، في تقريرها حول نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، أن ما يقارب 40 في المئة من المغاربة انتقلوا مرة واحدة على الأقل من أماكن ولادتهم، وأن النساء يشكّلن 55 في المئة من مجموع المهاجرين الداخليين، في ظاهرةٍ وصفتها بـ«تأنيث الهجرة».
هذا الرقم وحده يلخّص تحوّلًا عميقًا في الجغرافيا الاجتماعية: حين تغادر النساء القرى بحثًا عن التعليم والعمل، يفقد العالم القروي نصف طاقاته المنتجة ونصف أمله في المستقبل.
المدن الكبرى من الدار البيضاء إلى الرباط وطنجة تحوّلت إلى محطات جذبٍ ضخمة، بينما صارت جهاتٌ بأكملها مثل مراكش آسفي ودرعة تافيلالت مناطق طاردة للبشر، تفقد شبابها كما تفقد مياهها الجوفية: ببطءٍ وصمت.
النتيجة، كما يصفها التقرير، ليست فقط تغيّرًا في التوزيع السكاني، بل إعادة رسمٍ لخرائط الفقر والفرص معًا. فالمغرب لم يعد ينقسم بين حضرٍ وقرى، بل بين مركزٍ يتسارع وهامشٍ يتأخر.
ورغم أن هذه الحركية كان يُفترض أن تخلق توازناً بين الجهات، إلا أن المؤشرات تؤكد العكس. فسبع جهات فقط تستحوذ على أغلب السكان والثروة، وعلى رأسها الدار البيضاء سطات التي استقبلت أكثر من 833 ألف مهاجر داخلي.
في المقابل، تفقد الجهات الداخلية مقوماتها البشرية الأساسية، لترتفع معدلات الشيخوخة وتنهار القطاعات الفلاحية التقليدية، ما يهدّد ما تبقّى من «المغرب العميق» كفكرةٍ ومجالٍ للعيش.
غير أن التقرير يفتح نافذة أمل من الجنوب، حيث سجّلت جهتا الداخلة وادي الذهب والعيون الساقية الحمراء أعلى نسب استقبال سكاني بفضل المشاريع الاستثمارية الكبرى.
تلك الجهات التي كانت تُعتبر يومًا بعيدة عن المركز، صارت اليوم مختبرًا لعدالةٍ تنمويةٍ جديدة، تثبت أن الإرادة السياسية قادرة على تحويل الأطراف إلى محركات للنمو.
الهجرة الداخلية، كما يخلص التقرير، لم تعد مجرد حركةٍ سكانية، بل مرآةٌ سياسية تعكس أين تتقدّم الدولة وأين تتراجع.
وحين تصبح الدار البيضاء وجهة الحلم، ومراكش نقطة الرحيل، والقرية ذاكرةً معلّقة، فذلك يعني أن التنمية لم تكتمل، وأن الوطن ما زال يبحث عن توازنه بين جهاته.
في النهاية، لا يكفي أن نعيد توزيع السكان، بل يجب أن نعيد توزيع الأمل.
فالمغرب لا يحتاج فقط إلى مشاريع استثمارية… بل إلى عدالةٍ ترابية تعيد للمغاربة شعورهم بأنهم ينتمون إلى وطنٍ واحدٍ يسير بسرعةٍ واحدة.
