“You Shared the Money Among Yourselves — I Have Nothing to Do With It”: A Video That Brings the Question of Oversight Back to the Doorstep of the Ministry of the Interior
صرخةُ مستشارٍ جماعيٍّ مغربي داخل قاعةٍ عمومية أعادت النقاش إلى جوهره: أين تتلاشى الدولة حين تُترك الجماعات الترابية بلا رقيب؟
جملةٌ واحدة، قالها بعفويةٍ أمام كاميرا هاتف:
“تقسموا الفلوس بيناتكم وأنا مالي.”
لكن وقعها تجاوز الجدران المحلية إلى فضاءٍ وطنيٍّ مأزوم، حيث تلتقي السلطة بالمال في غيابٍ تامٍّ للرقابة والمحاسبة.
في بلدٍ تُرفع فيه شعارات الجهوية المتقدمة، تكشف هذه اللحظة عن عمق الانفصال بين الخطاب الديمقراطي والممارسة اليومية للسلطة.
الفيديو الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن مجرد تسجيلٍ عابر، بل شهادةٌ صريحة على خللٍ مؤسسيٍّ عميق.
لقد تحوّلت الجماعات الترابية، التي وُجدت لتجسيد “الديمقراطية القريبة من المواطن”، إلى فضاءاتٍ مغلقةٍ تُدار بمنطق الولاء وتوزيع النفوذ.
المجالس تُدار كأنها شركاتٌ عائلية، والقرارات تُصاغ في الخفاء لا في الجلسات، والمصلحة العامة تُختزل في المنافع الشخصية.
إنها ليست أزمة أفراد، بل أزمة منظومةٍ ترابيةٍ فقدت بوصلتها الأخلاقية؛ نظامٌ محليٌّ أصبح فيه الفساد بنيةً قائمة، لا انحرافًا عابرًا.
بحسب مصادر إعلامية، وقعت الواقعة خلال دورةٍ عادية لأحد المجالس، حين اتّهم المستشار زملاءه بتقاسم الدعم العمومي والصفقات “على المقاس”.
الدهشة لم تكن في الاتهام ذاته، بل في الصمت الجماعي الذي تلاه — صمتٌ اعتاد عليه المغاربة أكثر من أي ردّ فعلٍ رسمي.
وفي المقابل، تظل وزارة الداخلية، الوصية على الجماعات، أسيرةَ منطق المراقبة الشكلية؛ تراجع الوثائق، تدقّق الأرقام، لكنها نادرًا ما تلامس جوهر الانحراف.
إنها سلطة تعرف كل شيء ولا تتحرك، تُطبّق القانون متى تعارضت المصالح، وتتجاهله متى تماهت معها.
منذ إطلاق مشروع الجهوية المتقدمة، رُوّج له كإصلاحٍ عميقٍ للدولة الترابية، غير أن التجربة أفرزت واقعًا مغايرًا: اتسعت الصلاحيات ولم تتّسع المسؤولية، وتضاعفت الميزانيات دون أن تتضاعف الرقابة.
أصبحت الجماعات بمثابة جمهورياتٍ مصغّرة تحكمها العلاقات والمصالح أكثر مما تحكمها القوانين.
الانتخابات المحلية تُنتج النخب نفسها، والدورات الجماعية تتحوّل إلى طقوسٍ شكلية تُقرأ فيها التقارير كما تُقرأ البلاغات الرسمية.
صرخة “تقسمو الفلوس بيناتكوم” لا تصف حالةً فردية، بل ثقافةً إداريةً راسخة؛ ثقافة الاستفادة بدل ثقافة الخدمة، وثقافة الصمت بدل ثقافة المساءلة.
استمرار الانحرافات المحلية ليس ناتجًا عن ضعف القوانين، بل عن عجز الإرادة الرقابية.
وزارة الداخلية، وهي المؤسسة المركزية الأكثر حضورًا في الحياة الترابية، مطالَبة اليوم بأن تتحرّك كضميرٍ للدولة، لا كأرشيفٍ لها.
فاستعادة ثقة المواطن لا تتحقق بإرسال المفتشين، بل بإحياء ثقافة المحاسبة الأخلاقية، حيث تُصبح المسؤولية خدمةً لا سلطة، والمال العام عهدًا لا غنيمة.
ما قاله المستشار الجماعي في لحظة غضبٍ بسيطٍ كان في الواقع تشخيصًا دقيقًا لأزمة الحكم المحلي في المغرب.
إنها صرخةٌ تتجاوز حدود الجماعة لتصل إلى عمق الدولة: حين يضعف الضمير في الهامش، تفقد السلطة معناها في المركز.
