The State Redraws the Boundaries of Power: The Fall of Incompatibility Opens the Door to Conflicting Interests
يُفترض في الإصلاحات التشريعية أن تعزّز الشفافية وتكرّس مبدأ فصل السلط، غير أن المغرب اختار مسارًا مغايرًا.
فمشروع القانون التنظيمي الجديد لمجلس النواب، الذي صاغته وزارة الداخلية وصادق عليه المجلس الوزاري برئاسة الملك محمد السادس قبل أن يُحال على البرلمان، أعاد فتح الباب أمام الجمع بين العضوية في مجلس النواب ورئاسة المجالس الترابية، بعد أن كانت نسخة 2021 قد وسّعت حالات التنافي للحدّ من تضارب المصالح بين القرار التشريعي والإداري.
بهذا التعديل، استعاد رؤساء العمالات والأقاليم والمدن الكبرى حقهم في الترشح للبرلمان، باستثناء رؤساء الجهات الذين ظلّ المنع قائمًا في حقهم.
وبذلك تسقط واحدة من أهم خطوات تخليق الحياة العامة، التي كانت تمنع الجمع بين النيابة البرلمانية ورئاسة المدن الكبرى كالدّار البيضاء، الرباط، مراكش، طنجة، فاس، وسلا.
بحسب مصادر برلمانية، لم يأتِ المشروع من داخل المؤسسة التشريعية، بل من وزارة الداخلية التي أعادت هندسة خريطة التنافي وفق مقاربة “واقعية” تتيح للمنتخبين المحليين العودة إلى المنافسة الوطنية.
ويكشف هذا الخيار عن توجّه إداري واضح يرمي إلى إعادة ترتيب النفوذ الحزبي والترابي، وتثبيت هيمنة الوجوه نفسها داخل المؤسسات المنتخبة، محليًا ووطنيًا، تحت غطاء قانوني جديد.
في الواقع، ما كان يُقدَّم في 2021 كإصلاحٍ ديمقراطي، عاد اليوم في صيغةٍ معاكسة: فالنائب البرلماني قد يصبح في الوقت نفسه رئيسًا لجماعة أو إقليم، أي فاعلًا يجمع بين القرارين المحلي والتشريعي، في تناقضٍ مع مبدأ فصل السلط الذي يُفترض أن يحمي الممارسة السياسية من تضارب المصالح.
صحيح أن المادة 13 في صيغتها المعدّلة ما تزال تمنع الجمع بين النيابة ورئاسة الجهة، لكنها في المقابل تُرخّص لباقي أشكال الجمع بين المناصب المنتخبة.
هذا التراجع التشريعي لا يُعبّر فقط عن “مرونة سياسية”، بل يكشف عن عودة العقل الإداري القديم في تدبير الشأن العام، حيث تُكيّف النصوص لخدمة موازين القوى، لا المبادئ الدستورية.
في الأنظمة الديمقراطية، يُعتبر الجمع بين السلطة التشريعية والتنفيذية المحلية تضاربًا واضحًا للمصالح، لأن من يُراقب لا يمكن أن يكون في الوقت نفسه من يُراقَب.
لكن في السياق المغربي، يبدو أن “الواقعية السياسية” باتت تتغلب على “النزاهة المؤسساتية”، لتتحوّل القوانين إلى أدوات لإدارة النفوذ أكثر منها قواعد لضبطه.
بهذا المنطق، تتكرّس اليوم معادلة غريبة: برلماني يشرّع في الرباط، ويدبّر الصفقات في مدينته، ويصوّت على الميزانية التي قد يستفيد منها محليًا.
إنه ما يمكن تسميته بـ”ازدواجية السلطة المقنّنة”، حيث تتقاطع المصالح دون حواجز قانونية حقيقية، ويذوب الخط الفاصل بين من يضع القوانين ومن يطبّقها.
وإذا كانت وزارة الداخلية قد برّرت التعديل بالرغبة في “تعزيز الانسجام بين المؤسسات المنتخبة”، فإن النتيجة الفعلية هي تعزيز تداخل الأدوار وتآكل المراقبة الديمقراطية، في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى نخبٍ جديدة تفصل بين خدمة المواطنين وخدمة المصالح.
السؤال لم يعد: من يملك الحق في الجمع بين المناصب؟
بل: من يملك الشجاعة السياسية لوقف هذا التراجع؟
حين تتحوّل القوانين التنظيمية إلى مرآةٍ للسلطة أكثر منها أداةً للرقابة، تصبح الديمقراطية شكلًا بلا مضمون، والانتخابات مجرّد دورة لتدوير المواقع لا لتجديد الثقة.
يبدو أن الدولة اختارت هذه المرة أن تُدير السياسة لا عبر مؤسساتٍ منفصلة، بل عبر أشخاصٍ متعددي الولاءات.
فبدل أن تُعمّق الإصلاح، شرعنت ازدواجية القرار… وجعلت من التنافي استثناءً في كتاب الديمقراطية المغربية.
